العذراء «تتجلي سياسيا» 10 مرات خلال نصف قرن آخرها بعد ذبح 21 مصريا
تجلت السيدة مريم العذراء خلال ما يقرب من نصف قرن 10 مرات فوق أديرة وكنائس مسيحية في مصر، وفق ما رصده مراسل وكالة الأناضول، استنادا إلى رجال دين من الطائفة القبطية الأرثوذكسية، ومواقع ومؤرخون وكتاب مهتمون بالشأن القبطي، وارتبط هذا التجلي (الظهور)، بأحداث سياسية مؤلمة مرت بها البلاد، أو مصائب جلل تعرض لها الأقباط، وكان أخرها واقعة ذبح 21 قبطيا في ليبيا، الأحد الماضي، على يد تنظيم “داعش” حسبما ذكرت وكالة “الأناضول”.
وبينما يؤمن بالظاهرة المسيحيون الأرثوذكس، وينكرها المسيحيون الإنجيليون والكاثوليك، اختلف حولها، أيضا، المفكرون الأقباط؛ حيث لم يستبعدها البعض، وأنكرها آخرون، وقالوا إنها لا تعدو عن كونها “تجليا سياسيا”، أو “تعبيرا عن التمسك بالإيمان في مواجهة الأزمات”.
وفيما يلي 10 تجليات للسيدة العذراء في العصر الحديث:
التجلي الأول: في الثاني من أبريل عام 1968، صدر بيان رسمي عن البابا كيرلس، بابا الأقباط الأرثوذكس، حينها، تحدث عن تجلي السيدة العذراء في كنيسة الزيتون بالقاهرة.
ونقلت الصحف، وقتها، بعض علامات ومظاهر هذا التجلي، متمثلة في سيدة ترتدي طرحة بيضاء، وظهور كائنات روحانية مضيئة تشبه الحمام، وهى عادة أكبر منه حجما وتظهر نحو منتصف الليل أو بعده نحو الثانية أو الثالثة صباحا.
وفي تحليله لأسباب هذا التجلي، قال المؤرخ القبطي عزت أندراوس، وهو أرثوذكسي، في موقع “موسوعة تاريخ أقباط مصر”: إن “مصر كانت تحتاج إلى تعزية خاصة من الناحية السياسية بعد نكسة الـ 5 من يونيو 1967 (هزيمة الجيش المصري من إسرائيل واحتلال سيناء)، وإشعار مصر أن هناك مساعدة من الأرواح المقدسة التي صعدت إلى الرب وخصوصاً من العذراء، التي يعتقد فيها المسلمون قبل أن يعتقد فيها المسيحيون، فهي من الناحية السياسية تعزية لمصر بعد النكسة”.
التجلي الثاني: تحدثت مصادر قبطية عن تجلي العذراء يوم 21 أغسطس 1982، فوق حجاب الهيكل بكنيسة العذراء في مدينة إدفو بمحافظة أسوان (جنوب).
ونقلت الصحف بعض المشاهد لهذا الحدث ومنها ومضات سريعة وشاهقة البياض، وومضة سريعة لصورة السيدة العذراء، وظهرت حينها في شكل مريم الحزين.
وقال موقع “jesusloves”، المعني بالشأن القبطي، في تفسيره لهذا التجلي، إن العذراء ظهرت، حينها، لتعد الشعب المسيحي بعودة البابا شنودة الثالث (بابا الأقباط الأرثوذكس حينها) من منفاه في دير وادي النطرون (شمال غرب القاهرة).
وكان الرئيس المصري الراحل أنور السادات أصدر في سبتمبر / أيلول 1981 قرارا بالتحفظ على 1531 من الشخصيات العامة المعارضة منهم البابا شنودة الثالث، ولم يكن مصير البابا الاعتقال وإنما كان تحديد الإقامة في دير وادي النطرون.
التجلي الثالث:
من أقصى الجنوب في أسوان، إلى القاهرة، في 25 مارس / آذار 1986؛ حيث تحدث أقباط من منطقة شبرا بالقاهرة عن تجلي جديد للسيدة العذراء بين قباب كنيسة القديسة دميانة.
ووقتها قال هؤلاء إن نور العذراء سطع على المنازل المجاورة، وتكرر الظهور أكثر من مرة، واستمر في إحداها عشرين دقيقة، مضيفين أن تجلي العذراء هذه المره كان غريبا؛ لأنه لم يقتصر على الليل، وإنما كان في وضح النهار، وكان نورها مختلفا عن نور الشمس.
وتعقيبا على هذا التجلي، أصدر البابا شنودة الثالث، حينها، فى 9 أبريل / نيسان 1986 قراراً بتشكيل لجنة باباوية لتقصى ظهور العذراء مريم.
وأصدرت اللجنة في الـ16 من الشهر ذاته، بياناً أكدت فيه تجلي العذراء، وجاء في البيان، إن “هذه الظهورات الروحية بركة لمصر وبركة للكنيسة وليست جديدة على عصرنا كما أنها تتمشى مع قول الرب فى سفر أشعياء النبى: (مبارك شعبى مصر)”.
وذهب موقع تاريخ أقباط مصر، المعني بالشأن القبطي، إلى أن السيدة العذراء تجلت في أصغر الكنائس بشبرا، وفى جمع شعبى متوسط الحال مادياً، كشكل من أشكال الدعم للفقراء، كما ذهب تقرير نشرته مجلة “روز اليوسف” المصرية، حينها، إلى أنها جاءت لتطمئن مصر بعد أحداث تمرد جنود الأمن المركزي.
و تظاهر في 25 فبراير / شباط 1986 عشرات الآلاف من مجندي الأمن المركزي (قوات مكافحة الشغب) في معسكر بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)؛ احتجاجًا على سوء أوضاعهم وسريان شائعات عن وجود قرار سري بمد سنوات خدمتهم الإلزامية من ثلاث إلى خمس سنوات.
التجلي الرابع:
بعد عامين من الحديث عن ظهور العذراء في القاهرة، ترددت أقوال عن ظهورها في 15 أغسطس / آب عام 1988 بدير العذراء بالجبل الغربي في محافظة أسيوط، (جنوب)، كما ذكرت، حينها، الصحف التي طالعها مراسل الأناضول.
وقالت صحف وقتها إن العذراء ظهرت كطيف يتهادى على قمة الجبل لمدة ساعتين مع أول خيط من ظلام الليل، وشاهد طيفها أكثر من ألف زائر، وصاحبها ظواهر روحية فى هذا المكان مثل ظهور حمام أبيض يطير فى ظلمة الليل فوق الدير.
وتحدثت المواقع القبطية حينها عن مبررات تاريخية لهذا التجلي، وهو أن هذا المكان أقامت فيه العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلي مصر.
التجلي الخامس:
يغيب الحديث عن الظاهرة تسع سنوات، لتعود في الثاني من سبتمبر / أيلول 1997؛ حيث أصدر مجمع كهنة الإيبارشية (تابعة للكنيسة الأرثوذكسية) بيانا قالوا إنه تم توثيق لتجلي للسيدة العذراء في الكنيسة التي تحمل اسمها بقرية شنتنا الحجر التابعة لمدينة بركة السبع بمحافظة المنوفية (دلتا النيل / شمالا) يوم 6 أغسطس / آب من نفس العام.
وأورد المجمع في بيانه مظاهر لهذا التجلي قالوا إنهم تأكدوا منها على مدار 26 يوما، وهي ظهور حمام مضئ فرادى أو جماعات مرات عديدة ومتتابعة، ظهور نور بارق شديد اللمعان يضئ منارة الكنيسة والمنطقة كلها بنور فائق غير عادى، انتشار بخور أعلى محيط الكنيسة، ظهور أجسام روحانية تظهر فجأة وتختفى فجأة حول المنارة وفوق الكنيسة ومنطقنها، ظهور لهب نارى على منارة الكنيسة يتحرك صعوداً أو هبوطاً.
وربطت مواقع قبطية بين هذا التجلي وحوادث الإرهاب التي كانت منتشرة في صعيد مصر، وتستهدف المسيحيين تحديدا، كما زعمت هذه المواقع، حيث جاء التجلي كنوع من التضامن مع المسيحيين في أزمتهم.
التجلي السادس:
بعد ثلاث سنوات وبالتحديد في 17 أغسطس / آب 2000، أصدر الآباء الكهنة في محافظة أسيوط (جنوب) بيانا قالوا فيه إن وثقوا شواهد تجلي جديد للسيدة العذراء في كنيسة مار مرقس بالمحافظة.
وفي كتابة “مجد مريم”، قال الكاتب الصحفي فيكتور سلامة عن هذا التجلي، إن هذا التجلي جاء تعزية للأقباط بعد حادث قرية الكشح في محافظة سوهاج (جنوب) الذي وقع في ديسمبر / كانون الأول 1999، وأودى بحياة 20 شخصا أغلبهم من المسيحيين.
واندلعت اشتباكات بين مسلمين وأقباط بالقرية على إثر خلاف وقع بين تاجر قبطي وأحد الزبائن المسلمين عشية رأس السنة في 31 ديسمبر / كانون الأول 1999.
التجلي السابع:
يتكرر الحديث عن الظاهرة في محافظة أسيوط عام 2006، وتحديدا في 29 مارس / آذار، وقيل وقتها إنها تجلت في مطرانية أسيوط، وصدر بيان عن المطرانية يوثقها.
وقال موقع “طريق الحق”، المعني بالشأن القبطي، إنها تجلت أمام محافظ أسيوط الذى كان رافضا لبعض الترميمات والتوسع فى كنيسة مارمرقس بأسيوط.
التجلي الثامن:
وتعلن مطرانية الجيزة (غرب القاهرة) بعد ثلاث سنوات في 11 ديسمبر / كانون الأول 2009، تجلي العذراء في كنيسة بوراق الحضر التابعة للمطرانية.
وأشار بيان للمطرانية أنها ظهرت بملابسها النورانية فوق القبة الوسطى للمطرانية بالثوب الأبيض الناصع، وقالت مواقع قبطية إن هذا التجلي كان فرحة بعودة البابا شنودة الثالث، حينها، من رحلة علاج بالخارج، فيما ذهب الكاتب الصحفي فيكتور سلامة في كتابه “مجد مريم ” إلى أنه كان تعزيه لما سيحدث بعد أيام في مدينة نجع حمادي (جنوب مصر).
ووقعت اشتباكات بين مسلمين وأقباط في نجع حمادي في 7 يناير / كانون الثاني 2010 إثر إطلاق النار على مجموعة من الأقباط أثناء خروجهم من مطرانية نجع حمادي.
التجلي التاسع:
شهدت مدينة المنيا (وسط) في شهر مايو / أيار 2011، التجلي التاسع للعذراء.
ونقلت منظمة أقباط الولايات المتحدة المعنية بمتابعة شؤن الأقباط حول العالم على موقعها الإلكتروني أنباء عن ظهور العذراء أعلي سماء مبني المحافظة.
وتحدث الموقع عن السياق السياسي الذي أدى إلى ظهورها، وهو أحداث الفتنة الطائفية بمنطقة إمبابة في محافظة الجيزة (غرب القاهرة) والتي جرت في السابع من مايو / أيار 2011، وتسببت في مقتل 12 شخصا.
التجلي العاشر:
ومن عام 2009 انقطع الحديث عن الظاهرة خمس سنوات، حتى أعادها فيديو ذبح 21 مسيحي مصري في ليبيا على يد تنظيم داعش “الإرهابي”، والذي عرض مساء الأحد 15 فبراير / شباط الجاري.
ونقلت مواقع إلكترونية معنية بالشأن القبطي، روايات عن بعض الأهالي تحدثوا عن تجلي للسيدة العذراء بكنيستها في قرية العور بمحافظة المنيا، وذلك حزنا على الضحايا الـ 21 مصريا، ومعظمهم من أبناء القرية.
وعقائديا، يؤمن المسيحيون الأرثوذوكس بتجلي السيدة العذراء، فيما تنكرها الطائفتان الأخريتان في مصر وهما: الإنجيليون والكاثوليك.
وحول واقعة تجليها في منطقة الوراق بالقاهرة عام 2009، تحدث البابا الراحل شنودة الثالث، قائلا: “الظهور رآه عشرات الألوف من الناس، والذي يحاول أن يُنكر بطريقة نظرية، فهو ينكر الوضع العملى الذى رآه الناس”.
وتحدث شنودة عن أسراب الحمام التى صاحبت الظهور، وقال عنها إنها “الأنفس البشرية البارة التى كانت تتبع العذراء”.
وتابع موجها حديثة لمن ينكر رؤيتها: “الرؤية تتعلق بالإيمان؛ فالشخص البسيط غير المُعقد يستطيع أن يرى، أما المُعقد فيمنعه تعقيده؛ فالإيمان نوعين، إنسان يؤمن فيَرى وإنسان يَرى فيؤمن، إن كان شخص لا يؤمن بالعذراء ولا بشفاعتها فالعذراء أيضا تمنعه من رؤيتها لأنه لا يستحق”.
وأضاف: “العذراء حبيبة لنا وحبيبة لمصر، وقد جاءت لمصر أثناء طفولة السيد المسيح، وقضت ثلاث سنوات ونصف، فهى تشتاق لمصر بين الحين والآخر”.
المفكر القبطي كمال زاخر، وهو أرثوذكسي، لا يملك معلومات يستطيع أن يؤكد بها الظهور الأخير للسيدة العذراء، لكنه قال: “طالما أن الأمر له علاقة بالدين والعقيدة؛فهو أمر غير محسوس، فأعظم ما في الدين، وهو الله، نحن آمنا به دون أن نراه، ولذلك فإن ظهورها من عدمه هو حالة إيمانية تتوقف على الشخص ذاته”.
وتابع في حديث مع الأناضول: “لا أستطيع أن أجذم بظهورها، لكن لا أنكر على من يقول إنه شاهدها؛ لأن هناك عده عوامل قد تدفعه لذلك”.
وأضاف: “فيديو الذبح لم يكن سهلا؛ لذلك فإن الحديث عن رؤية العذراء قد يكون مرتبطا بأنه ملاذ للتماسك، خاصة أن كمية الدم كانت كبيرة، والحادث يعبر عن حالة من الجنون والهوس الطائفي”.
المفكر القبطي جمال أسعد، وهو إنجيلي، يحصر من جانبه، الحديث عن ظهور العذراء في الدوافع النفسية، مستبعدا أي أساس عقائدي للظهور.
وقال في تصريحات خاصة لـ”الأناضول”: “تظهر دائما مثل هذه الإشاعات بعد الحوادث الجلل، وتكون كنوع من التعبير عن التمسك بالإيمان في مواجهة الأزمات، لكن لا يوجد في العقيدة المسيحية ما يدعمها”.
وبرر أسعد ذلك بقوله: “إذا كان للأمر أساس عقائدي فإن الكاثوليك يمجدون العذراء أكثر من الأرثوذوكس؛ فلماذا لا يتحدث الكاثوليك عن ظهور العذراء، ويتحدث الأرثوذوكس من حين لآخر في هذا الموضوع؟”.
وفي أعقاب التجلي التاسع للعذراء في 11 ديسمبر / كانون الأول 2009، قال إكرام لمعي، نائب رئيس الطائفة الإنجيلية في تصريحات صحفية، إن الكنيسة الأرثوذوكسية تحاول إثبات صحة معتقداتها بترويج ما سماها بـ “الخرافات”.
وتابع لمعي: “الحديث عن ظهور العذراء لا يوجد إلا عند الأقباط الأرثوذكس في مصر فقط، واختيار العذراء بالذات يرجع إلى إجلال المسلمين والمسيحيين لها على السواء، وإلا لكان من الأولى ظهور المسيح وليس العذراء، فالظهور سياسي في الأساس”.