تقارير وتحقيقات

مدغشقر.. الموارد كبيرة ومياه الشرب شحيحة

مجموعة من الجزر تسبح في المحيط الهندي قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لإفريقيا.. تلك هي مدغشقر أو الجزيرة الكبيرة كما يطلق عليها، دولة تملك موارد المياه في كلّ جانب، وبما يكفي لتغطية حاجيات جميع سكانها من مياه الشرب، غير أنّ التوزيع الجغرافي المتفاوت لهذه الموارد، وتهالك البنية التحتية، حالا دون حصول الكثير من الملغاش على هذا المورد الحيوي الأساسي.

وبحسب تقرير صدر، مؤخرا، عن صندوق التنمية الإفريقي، فإنّ الحجم الكلي للموارد المائية التي يمكن تعبئتها والمخصصة لتلبية الاحتياجات المتنوعة للسكان، تبلغ نحو 449 مليار متر مكعّب سنويا، ما يعني أنّ الموارد المتوفّرة تفوق بحوالي الضعف حاجيات الأفراد في البلاد. كما أشارت الوثيقة نفسها إلى أنّ الكميات المستغلّة فعليا، في الوقت الراهن، من موارد المياه، والتي لا تتجاوز الـ 17 ألف و298 مليون متر مكعب سنويا، تعتبر ضئيلة جدا مقارنة مع كميات المياه المتاحة والقابلة للاستغلال (3.852 % من المجموع).

الأسباب الكامنة وراء هذا العجز عديدة، وفقا للخبراء، أبرزها تهالك البنية التحتية، وعدم استغلال الموارد المتاحة على أكمل وجه، وهو ما أدّى إلى تفشي الأمراض الناجمة عن استهلاك المياه الملوّثة، خصوصا وأنّ “أقل من 50 % فقط من سكان مدغشقر يحصلون على مياه الشرب”، بحسب الأمين العام لوزارة المياه والصرف الصحي والنظافة، ريموند راندريما.‎

راندريما أضاف في تصريح للأناضول أنّ عجز الكثير من السكان عن الوصول إلى مياه الشرب له انعكاسات وخيمة على الممارسات الصحية اليومية وعلى مستوى النظافة المرتبط بها حيث أنّ “64 % من الملغاش يقضون حاجتهم البشرية في الهواء الطلق”، وأنّ ضعف البنية التحتية الذي فاقمته الأزمة السياسية التي هزت البلاد بين عامي 2009 و2013، 
ضاعفت من حدّة المشاكل المتعلقة بمياه الشربفي البلاد.

“السكان في تزايد ملحوظ”، يتابع المسؤول الملغاشي، “في حين أنّ البنية التحتية تنحو نحو التدهور بما أنّه لا توجد منشآت جديدة في هذا المجال، وتلك الموجودة لا تحظى بالعناية والصيانة المطلوبتين”.

ومن جانبه، قال نويلي المدير العام للإمدادات بمياه الشرب جنوبي البلاد، والأخيرة عبارة عن وكالة حكومية تدير عمليات التزود بمياه الشرب في المنطقة القاحلة، إنّ “ناقلاتنا لا تتمكّن من تزويد جميع المدن بالماء”. نقص كان لابدّ وأن تكون له تبعاته السلبية على أكثر من صعيد.‎

فلقد أظهرت دراسة لـ “برنامج المياه والصرف الصحي” التابع للبنك الدولي، لعام 2012، أنّ “مدغشقر تخسر سنويا 103 مليون دولار، بسبب سوء الصرف الصحين أي ما يعادل 5 دولارات للشخص الواحد سنويا، أي 1 % من الناتج المحلّي الإجمالي للجزيرة الكبيرة”، إضافة إلى “العجز على مستوى الإمدادات بمياه الشرب، وهو ما ينعكس على الصحة  التعليم، والفقر، ولكن أيضا على البيئة”.

الدراسة نفسها أشارت إلى أنّ “14 ألف طفل دون سنّ الخامسة يموتون سنويا جراء عدم حصولهم على الماء، فيما يخسر السكان في مدغشقر 3.5 مليون يوم عمل في السنة بسبب الأمراض الناجمة عن السبب ذاته”.

لكن من المفارقات أنّ الجزيرة الكبيرة تمتلك إمكانات مائية ضخمة، فـ “مواردها الجوفية و السطحية بإمكانها تأمين وتلبية احتياجات السكان من مياه الشرب”، بحسب المهندس الهيدروليكي هابيل رازافيماهاتراترا. كما أكّدت “دراسة حول مبادرة 20/20 في مدغشقر: المياه والصرف الصحي”، لعام 2012، أنّ “الموارد المتاحة أكبر بكثير من الحاجة المقدّرة للمياه، والبالغة 355 مليار متر مكعب بالنسبة للمياه السطحية، و140 مليار متر مكعّب من المياه الجوفية”.

الدراسة نفسها أشارت إلى أنّ الخلل يكمن “في عدم استغلال الموارد المتاحة بشكل كامل”، كما أنّ موارد المياه غير موزعة بشكل عادل بين مناطق البلاد، حيث تتوفّر بكثرة في الجزء الشرقي، وتقلّ في الجنوب، والأخير أضحى، بمرور الزمن، يعاني من “بداية جفاف”، بحسب لودوفيك لوموتسي، الأمين التنفيذي لـ “المكتب الوطني لإدارة المخاطر والكوارث”، وهو الوكالة الحكومية المكلفة بإدارة الكوارث الطبيعية لهذا العام.‎

ريموند راندريما عاد ليذكّر بأنّ بلاده “حاولت، في الماضي القريب، وفي مناسبتين على الأقلّ، تصدير المياه” الجارية في أنهار الجزء الشرقي للجزيرة الكبيرة، “غير أنّه لم يتسنّ تفعيل هذا المشروع”، لافتا إلى وجود إشكال على مستوى النصّ، علاوة على مقاومة شديدة من قبل المدافعين عن البيئة”.

أما المهندس رازافيماهاتراترا، فقد وجّه أصابع الاتهام لـ “الإرادة السياسية بإعتبارها المعضلة الأولى التي نواجهها” على حدّ تعبيره، معلّلا ذلك بأن الدولة لا “تجعل من الحصول على المياه أولويتها.. لدينا استراتيجيات جيدة، غير أننا لا نرصد لها ما يلزم من الموارد (لتفعيلها)”.

وأضاف “سرعة تدفّق المياه تبلغ 10 متر مكعب في الثانية، ما يعني أنّه بإمكاننا الاستفادة منها وتصديرها واستخدام إيراداتها لتمويل أشغال الإمدادات، غير أنّ الدولة لا تستعمل تلك الأموال التي كان بمقدورها الحصول عليها”.

ومن جانبها، أطلقت الحكومة الملغاشية برنامجا مدته أربع سنوات (2015-2019) لإعادة التوازن لهذه المقاربة الشائكة، حيث تعتمد خارطة الطريق التي تم إقرارها على بلوغ معدّل الوصول إلى مرافق مياه الشرب إلى 68٪، أي تحقيق ارتفاع يناهز النصف تقريبا مقارنة بالوضع الحالي، إضافة إلى الترفيع في معدّل الحصول على البنية التحتية للصرف الصحي والنظافة من 50 % إلى 67 % بحلول 2019. غير أن “تفعيل برنامج مماثل في حاجة إلى 163 مليون دولار”، بحسب راندريما.

أما وزيرة المياه والصرف الصحي والنظافة في مدغشقر، جوهانيتا نداهيمانانجارا، فلم تودّ الكشف عن التمويل المخصّص من قبل الحكومة لتفعيل هذا المشروع، مفضلة، بدل ذلك، تسليط الضوء على النداء الموجّه للشركاء الفنيين والماليين للبلاد، للمساهمة في تحقيق الأهداف المحدّدة من قبل الحكومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى