الموصل بعد عام من سيطرة «داعش» .. التدهور سيد المشهد
العاشر من يونيو / حزيران 2014 .. تاريخ قد حفر في ذاكرة المليون ونصف المليون عراقي أبناء مدينة الموصل مركز محافظة نينوى .. ثاني أكبر مدن العراق وأهمها من حيث التنوع الديني والمذهبي والقومي..
وبمرور الأيام كانت الذكرى تزداد ترسخا في ذاكرة المدينة مع كل مصاب جديد ينال أبنائها وبنيتها التاريخية والصحية والتعليمية والاقتصادية وهويتها الثقافية، على يد تنظيم “داعش” الذي فرض سيطرته على الموصل في هذا التاريخ.
وسيطر تنظيم “داعش” على المدينة بعد هروب القوات الأمنية منها، في 10 يونيو/ حزيران 2014، حيث دمر العديد من المعالم الأثرية، أبرزها مساجد النبي يونس، والنبي شيت، والنبي جرجيس عليهم السلام، فضلا عن تدمير عشرات المزارات الدينية التي تعود لمسلمين ومسيحيين وديانات أخرى، والاستيلاء على محتوياتها ونقلها إلى أماكن مجهولة، بحسب روايات شهود العيان.
تفجير المساجد
أستاذ قسم التاريخ في جامعة الموصل أحمد قاسم قال لمراسل الأناضول إن “أكثر من 25 مسجدا غالبيتهم يعودون للسنة، ويحملون طابعا دينيا ويعتبر بعضهم معالم أثرية، جرى تفجيرها من قبل تنظيم داعش، لعل أبرزها جامع النبي يونس عليه السلام”.
وأضاف “أغلب هذه المساجد التاريخية تعود لأكثر من 800 عام، وبعضها أقدم من ذلك، كجامع المجاهد، والمعروف في الموصل بالخضر، فضلا عن المدرسة النورية والمعروفة أيضا بمسجد الإمام محسن”.
وبحسب أبوبكر كنعان مدير أوقاف نينوى “يوجد في المحافظة عموما ألفين و856 مسجدا، من بينها 935 في مدينة الموصل، قام داعش بتفجير قرابة 27 جامعا ومسجدا وضريحا وتكية منها”.
وبين كنعان أن تنظيم داعش “صادر أيضا محتويات مكتبة الأوقاف التي تضم كتبا تاريخية نفيسة، تعود لمئات السنين، لعل أبرزها (المصحف العثماني)، والذي كانت المكتبة تحتفظ به في خزانتها، لكنه سرق من قبل التنظيم”.
تدمير متحف الموصل
علي المعماري أستاذ الآثار في جامعة الموصل، قال بدوره لمراسل الأناضول “لم يقف التنظيم عند تدمير معالم الموصل الدينية، بل قام بتدمير صروحها المعمارية والحضارية، متمثلة بمتحف الموصل”.
وأضاف المعماري “قام التنظيم بتهريب عشرات القطع الأثرية النفيسة التي لا تقدر بثمن إلى الخارج، وبيعها في المزادات العالمية، دون اكتراث لقيمتها التاريخية عند سكان المحافظة والعراق والإنسانية جمعاء”.
اقتصاد مدمر
أما عن الوضع الاقتصادي في مدينة الموصل في ظل سيطرة داعش، وبحسب تقارير وخبراء مطلعين، فالوضع يشهد تدهورا كبيرا إثر الحصار المفروض على المدينة، وكذلك توقف أغلب المهن عن العمل بسب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وقلة الوقود، ومضايقات التنظيم، ما دفع بأصحاب المصانع لإغلاقها، وتسريح العمال.
عبد الله المولى أستاذ الاقتصاد بجامعة الموصل قال لمراسل الأناضول هذه الأسباب “أدت إلى ارتفاع نسب البطالة بين صفوف الشباب، وزيادة نسبة الفقر، حتى وصلت إلى 30% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد أن كانت 19% في العام 2014، بحسب تقديرات وزارة التخطيط العراقية”.
توقف المستشفيات
على صعيد الوضع الصحي أوضح رئيس اللجنة الصحية في مجلس النواب العراقي، فارس البريفاني أن “شهادات أطباء اختصاصيين تؤكد تعذر إجراء العلميات الجراحية الكبرى للمرضى، جراء نفاد مواد التخدير، ومحاليل غسل الكلى، والأدوية المسعفة للحياة، وتشير إلى أن التنظيم يستغل المشافي فقط لمعالجة جرحاه، وإجراء العمليات لعناصره، بينما مستشفيات الموصل متوقفة عن استقبال الحالات الطارئة”.
وتضم الموصل 4 مستشفيات كبيرة، تتوفر فيها أجهزة طبية حديثة، هي مستشفى الموصل العام في وادي حجر (جنوبا)، والمستشفى الجمهوري، والمستشفى العام ضمن المجمع الطبي في حي الشفاء غربي الموصل، ومستشفى السلام أو(صدام) في حي الوحدة جنوب شرقي الموصل، لكن جميعها تحت سيطرة “داعش”.
وفي سياق غير بعيد، انقطعت خدمة الهاتف النقال عن المدينة خلال عام من سيطرة داعش عليها، وتراجعت خدمة شبكة الإنترنت.
قطاع التعليم بدوره، كان من أبرز القطاعات المتضررة، حيث أكدت وزارة التربية والتعليم عدم اعترافها بالنتائج الدراسية الصادرة عن المحافظة في ظل سيطرة التنظيم، بينما يعاني الطلبة النازحون من عدم توفر مدارس لهم.
كل هذه السياسات والممارسات خلال عام من سيطرة داعش على الموصل، دفعت بنخب المجتمع الموصلي وغالبية كفاءاته العلمية والأدبية والاختصاصات الأخرى، للفرار إلى إقليم كردستان وبغداد ومحافظات الوسط والجنوب ودول مجاورة للعراق.
وتؤكد تقارير أممية أن أعداد المتقدمين من الموصليين الراغبين في الحصول على لجوء بلغ نحو 70 موصليا في اليوم الواحد.
وفي 10 يونيو/ حزيران 2014، سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (شمال) قبل أن يوسع سيطرته على مساحات واسعة في شمال وغرب وشرق العراق، وكذلك شمال وشرق سوريا، وأعلن في نفس الشهر، قيام ما أسماها “دولة الخلافة”.
وتعمل القوات العراقية وميليشيات “الحشد الشعبي” الشيعية الموالية لها، وقوات البيشمركة الكردية (جيش إقليم شمال العراق) على استعادة السيطرة على المناطق التي سيطر عليها “داعش”، وذلك بدعم جوي من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، الذي يشن غارات جوية على مواقع التنظيم منذ أغسطس/آب الماضي.