تقارير وتحقيقات

عراقيو الأنبار يستقبلون رمضان بالترحاب الممزوج بالدموع

في درجة حرارة لامست 50 درجة مئوية وغربة الأديرة والحنين للأهل والأصدقاء استقبل النازحون من أبناء الأنبار شهر رمضان المبارك بالترحاب الممزوج بالدموع حزنا على واقع لا يجدون فيه قطعة خبز ولا كأس ماء بارد وعلى أيام رمضانية كانت جميلة جدا يصفها النازح الحاج محمد حسين أنها نكهة رمضان الفلوجية بين مساجد تنبعث منها أصوات الرحمن حين يطلق مدفع الافطار نداء” الله أكبر” إيذانا ببدء الأفطار .

ويروي الحاج محمد حسين البالغ من العمر 80 عاما النازح إلى منطقة أبوغريب غربي بغداد” لا تسألني عن رمضان في دار النزوح وتقارنه مع رمضان في بيتي مع أفراد عائلتي وأحفادي وجيراني وكل أحبابي الذين غابوا اليوم عني وأصبحت وحيدا غريبا في هذه الدار التي لجأت اليها منذ ثمانية أشهر “.

ويمضي الحاج حسين وعيونه حديثه ، وعلامات الحزن باديه على وجهه، قائلا” لدي سبعة من الاولاد والبنات لم أراهم منذ سنة بعد ان اصبحوا مشردين في مناطق إقليم كردستان وبعض المناطق الآمنة ، بينما كان رمضان في منزلي وديواني يجمعنا وقت الافطار بالألفة والمحبة والتي تعتبر لمة العائلة واحدة من أجمل طقوس رمضان التي أشعر بلذتها وهي من تقاليد العائلة التي عشتها مع والدي وجدي” .

وحين تذهب الى مناطق /بزيبز/ واليوسفية وأبو غريب ومخيمات إقليم كردستان ومخيمات عديدة وسط بغداد لا تعرف الا المعاناة ولا ترى عينيك سوى اليأس في عيون النازحين ولا تسمع من الأم والطفل والرجل الا كثرة الاحتياجات الانسانية من دواء وغذاء فضلا عن المسكن الذي هو عبارة عن خيمة لا تليق بأناس كان يسميهم المجتمع العراقي أكابر القوم فبيوتهم التي تركوها في مناطقهم سواء في مناطق الفلوجة والرمادي او هيت أو عنه أو القائم والرطبة والبغدادي والخالدية وغيرها هي قصور فخمة تمتاز بفنها العمراني الراقي حتى ان الصحفي البريطاني المشهور “روبرت فسك”عند زيارته للأنبار خلال عمل صحفي وصف قصورها بأنها “قصور ملوك وأمراء “.

وتكلمت امرأة أربعينية تدعى أم طارق بحسرة واختزلت حزنها وألمها قائلة” رمضان ليس بالمائدة الغنية ولا بالقصر الفخم ولكنه بالرأفة والمغفرة وذكر لله سبحانه وتعالى “.‎

وتساءلت” أين هؤلاء المسؤولون الذين يظهرون على الشاشات التلفزيونية وهم يتخاصمون بأفكار طائفية؟ وكأننا في العراق أصبحنا أكثر من دولة ،لا احد يشعر منهم بان العراق واحد لا فرق بين سني وشيعي وكردي وتركماني ومسيحي وحالنا اليوم لا يسر صديقا ولا عدوا “.

وأضافت” لقد أهدرت كرامتنا وأذلنا مسئولونا وهذا هو حالنا في رمضان لا نعرف ماذا نقدم لمائدة الافطار لا شيء عندنا سوى حفنة ماء غير صحية وأصبحنا لاجئين في بلادنا ننتظر معونات الآخرين”.

وختمت قائلة ” كنت أتمنى لو أتى رمضان وأنا مغادرة هذه الحياة التعيسة”.

وتتخوف الحكومة العراقية من خطط تنظيم داعش حيث اعتادت الجماعات المتطرفة القيام بصولات خاصة في شهر رمضان تسمى “غزوة رمضان” ما دفع الحكومة الى وضع الخطط العسكرية والأمنية في العاصمة بغداد وحزامها ما أثر ذلك كثيرا على حركة النازحين وبالتالي أصبحت حياتهم في رمضان أشبه بالسجن الواسع الذي يفتقر الى خدمات التغذية والصحة سوى ما يأتي من الخيرين والميسورين .

زيد عمره 23 عاما ينفق على عائلة من 10 أشخاص ويقيم في أحد مخيمات العاصمة بغداد يقول” استنفدنا كل ما نملك من الاموال والأن لا نملك أن نشتري حبة الأسبرين فماذا أفعل مع هذه العائلة التي تحتاج الى الأكل اليومي خاصة في شهر رمضان وأغلب أفراد العائلة صائمون سوى طفلة صغيرة”.

وتابع :”لا أستطيع ان أعمل في هذه الفترة لأن اسمي زيد وهو من الأسماء المحظورة في بغداد لدواع طائفية ،وكما أن الأعمال قد توقفت في بغداد فلا أقول الا رمضان كريم ونسأل لله أن يعيدنا الى ديارنا قبل العيد”.

اللافت في شهر رمضان المبارك هو قيام رجال مسنين بتوزيع صحونا من التمر على النازحين في الخيام وهم يتسابقون لكسب الأجر في إفطار صائم.

وحين سألت الحاج نجم خالد 70 عاما لماذا هذه المسابقة في توزيع التمر بينكم؟ فقال “من أفطر صائما فله أجر صائم “.

وتحدث باللهجة العامية قائلا “اللي بينا ميخلينا” بمعنى “نحب أن نكرم الأخر وهذه واحدة من طبائعنا وعاداتنا ومهما اشتدت علينا المحن والمصاعب وأصبحنا في ديار الغربة فلن تتغير قيمنا ولن نترك طقوس رمضان الفضيل الذي تعودنا ان نكرم الآخر وان نتسامح مع الآخرين”.‎
وكانت اخر وجبة نزوح من الأنبار في منتصف نيسان/ابريل الماضي وبلغ عدد النازحين فيها بحوالي 15 الف عائلة نازحة عشية سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على مدينة الرمادي عاصمة الأنبار وبعض المناطق والقرى المحاذية لها ، حيث سكنت تلك العوائل في مخيمات بمناطق متفرقة في العاصمة بغداد وحزامها والنصف الآخر قطن في مناطق كردستان العراق .

وتتسم مائدة افطار العائلة الانبارية بتنوعها ولا تخلو كما هو حال بقية كل الصائمين العراقيين من “شوربة العدس” مع شرائح اللحم فضلا عن اللبن والتمر وأطباق أخرى غنية ،فيما تكثر خلال “رمضان” في أيام ما قبل النزوح دعوات الضيوف على مادة الافطار والذهاب الى صلاة التراويح وهي واحدة من أهم الطقوس التي اعتاد الأنباريون تأديتها في المساجد وسط تكبيرات وأصوات وقراءات من القرآن الكريم تعطي أجواء روحانية ذات نكهة رمضانية مميزة وهو ما يفتقده النازحون في الأيام الراهنة .

وكان الأنباريون يحرصون خلال شهر رمضان المبارك على اللقاءات الاجتماعية العائلية أو جلسات خارج نطاق العائلة ومزاولة لعبة المحيبس الشهيرة التي تتنافس فيها مناطق المحافظة من خلال بطولات متنوعة ولا ننسى اطباق الحلويات تكون حاضرة مثل الكنافة او الزلابية والبقلاوة أو الدهينة أو المحلبي فيما تعقبها العودة لذكريات الماضي وحكايات الآباء والأجداد التي تقص جانبا من تراثهم الاجتماعي الأصيل .

ويقول الحاج جمال إبراهيم يبلغ 60/عاما/ نازح في مخيم بمحافظة أربيل”في شهر رمضان الحالي خسرنا الكثير المسجد وصلاة العشاء والتراويح وأصوات المآذن ومناراتها وجلسات ما بعد التراويح مع الاحبة والأصدقاء كل ذلك أصبح شيئا من الماضي وذكريات مؤلمة علينا هذه الأيام ونحن أسرى في خيمة لا نسمع فيها ولا نرى ولا نلمس أية أجواء رمضانية” .

مجتمع الأنبار الذي يزيد عن المليوني نسمة لم يبق منه سوى أقل من 10 بالمائة حيث يتواجد هؤلاء تحت سيطرة المناطق الخاضعة لتنظيم داعش ،في حين ترك الآخرون وهم الأكثرية ديارهم ومنازلهم مكرهين عقب سيطرة التنظيم على مدنهم خلال انسحاب القوات العسكرية منها بشكل غريب وخاصة في مناطق الفلوجة والتي تعتبر أهم أقضية المحافظة فضلا عن الرمادي عاصمة الأنبار علاوة على أقضية عنه راوة وهيت والقائم وعكاشات في بادية الشام غرب المحافظة .‎

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى