البطران: رمضان يرتب «الكراكيب» .. وهذه حكايتي مع المأمور!
قال الكاتب الروائي حمدي البطران أن شهر رمضان، يتيح التجديد السنوي لـ”كراكيب المخ” وتلافيفه العميقة، نجلس مع أنفسنا في حالة روحانية، متناسين الجوع والعطش، ونعيش مع أنفسنا، كل منا يقلب في ذاكرته بطريقته الخاصة.
يواصل في حديث خاص لـ”امل مصر” لرمضان عندنا ذكريات؛ منها ذكريات الطفولة، وذكريات أول رمضان بعد التحاقي بالعمل، وأول رمضان بعد الزواج، ورمضان مع الأولاد .
وفي كل عام يمضي رمضان، ويترك في ذاكرتنا شئ منه نتذكره كلما حل رمضان آخر .
لكن اتذكر أنني كنت أعمل في شرطة النجدة, وكنت أخرج لمصاحبة مدير الأمن في تنقلاته, لتأمين الإتصالات، وقتها لم تكن الاتصالات بتلك الحالة، كانت سيارة النجدة مجهزة بلاسلكي, ويمكنه الإتصال بالقاهرة, وكان يخرج في ركب الدير أيضا ضابط مرور بسيارته, وضابط مباحث, وضابط من قوات الأمن معه عدد من الجنود المسلحين .
وفي أول يوم في رمضان, تم إخطارنا, بأن نرافق السيد المدير أثناء توجهه للإفطار في منزل عضو مرموق, في مجلس الشعب في إحدى القري البعيدة, وللوصول في موعد الإفطار كان ينبغي أن نتحرك من أمام استراحة المدير قبل الموعد بساعة ونصف, لنصل في موعد الإفطار أو قبله بدقائق, وقتها كان الجو صيفا, والحرارة على أشدها, كنا نعاني من العطش, واجسادنا تتصبب عرقا .
تجمعنا أمام استراحة المدير , كنا أربعة ضباط , في رتبة النقيب أو الرائد , في أربع سيارات، وانتظرنا أمام الإستراحة وبعد قليل، فتح الباب وظهر المدير أدينا له التحية، وكانت سيارته الحديثه تنتظره، وقال لضابط المرور: السيد المحافظ سيذهب معنا.
كان المحافظ لواء أيضا، وتحرك موكب المدير إلى استراحة المحافظ، وأخطرنا لا سلكي المحافظ بأننا السيد المدير في الطريق، كان علينا أن نسير ببطء، حتى لا يضطر مدير الأمن لإنتظار المحافظ، وأبلغونا أن المحافظ قد نزل تحركنا، وفي لحظات كنا ،مام باب المحافظة ونزل المحافظ، وسلم علي المدير وركبا معا سيارة المحافظ, التي بها ستار أسود منسدل على نوافذها.
يتابع: سرنا في طريق أسيوط القاهرة مسافة طويلة, وعند حدود المركز الذي تقع فيه القرية, انضم إلى الموكب مأمور المركز وضابط المباحث, ثم إنحرفنا علي طريق جانبي, غير معبد , وسرنا مسافة طويلة حتي وصلنا الي تخوم الصحراء , حيث تقع القرية , سرنا قليلا حتي وصلنا الي فيلا عضو مجلس الشعب علي مشارف القرية ووجدنا العضو، ومعه عدد من أقاربة وعمدة القرية.
اصطحب العضو المحافظ ومدير الأمن الي داخل الفيلا، ولم ينظر ناحيتنا، بقينا نحن الضباط خارج المكان، كان صوت القرآن ينطلق من مذياع قبل الغروب جميلا، كانت هناك دكك بالخارج، فنزلنا من السيارات وجلسنا عليها نستجلب نسمة هواء، وقف السائقين والعساكر بعيدا عنا يتسامرون.
ثم سمعنا آذان المغرب، ونظرنا حولنا نبحث عن ماء فلم نجد، وطال إنتظارنا، وأخيرا جاء أحد الجنود ومعه “كوز” كبير به ماء بارد، قال أنه ملأه من زير قريب أمام بيت أحد الفلاحين. مررناه علي بعضنا شربنا، وذهب وأعاد ملئه من جديد، وشربنا وجلسنا ننتظر.
اقترح المأمور علي سائقه، أن يبحث عن دكان به “بسكويت” أو شئ نفطر عليه، فلم يجد. وفي تلك الأثناء خرج أحد الأشخاص، وأشار لنا بالدخول !
رفضنا , لأننا كان يجب أن ندخل معهم, وأن يعزمنا صاحب الدعوة, ثم أننا لا نأكل بقايا الطعام. أشرنا للجنود والسائقين والمخبرين أن يدخلوا فدخلوا.
بقينا مكاننا حتي مرت ساعة, ثم خرج المحافظ والمدير، وخلفهم عضو مجلس الشعب , وكان العضو يناولهم سجائر من علبته, فنهضنا واقفين, ودخل المحافظ سيارته وخلفه مدير الأمن, وإنطلقنا عائدين في رحلة العودة الى مقر المحافظة, فوصلنا بعد صلاة العشاء بساعة كاملة .
مررنا علي المحافظة, حيث نزل المحافظ , وتوجهنا الي ديوان المديرية, حيث مكتب المدير، وعندما نزل سألنا ببرود : فطرتوا ؟!.