تقارير وتحقيقات

د. أسماء عبدالرحمن تكتب: المرأة الصعيدية امرأة حديدية

تميّزت المرأة عبر العصور القديمة والحديثة بمشاركتها الفاعلة فى شتى المجالات؛ فلعبت دور الشاعرة والملكة والفقيهة والمحاربة والفنانة والطبيبة و…، ولكن المرأة المصرية عموماً والصعيدية خصوصاً عانت عصوراً عديدة من الاضطهاد والتهميش، وذلك فى خضم التهميش الذى عانى منه الريف المصرى عموماً من جانب دوائر السلطة وصناع القرار، ولعبت الظروف التاريخية والسياسية دوراً سلبياً فى إقصاء الصعيد بنسائه ورجاله وساهمت وسائل الإعلام المصرية فى تهميشه وتشويه صورته لدى الرأى العام. إذ دأبت على ترويج صورة مغلوطة ومختزلة ومبتسرة ساعدت على تكريس الفجوة الثقافية والنفسية بين أهالى الصعيد وسائر أبناء الوطن، لاسيما صورة المرأة الصعيدية التى تصورها الدراما المصرية بصورة نمطية منذ عشرات السنين؛ فهى الضعيفة، المقهورة، الخانعة، والمحرضة على كل العادات السيئة كالثأر والعنف وكثرة الإنجاب والختان والزواج المبكر للقاصرين والقاصرات وغيرها من الصور المشوهة، التى باتت راسخة فى أذهان الكثيرين.

والذى أدرك هذه المراحل يستطيع الآن التمييز بين ما كانت عليه المرأة المصرية عموماً والصعيدية خصوصاً، وما وصلت إليه الآن؛ فرغم ما تقاسيه المرأة الصعيدية فى قرى صعيد مصر من ظروف معيشية عصيبة كانتشار الأمية وعدم وجود رعاية صحية كافية، وهو ما يتمثل فى تدنى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية وبالطبع السياسية، هذا بالإضافة إلى منظومة العادات والتقاليد الخاطئة، التى تحبط كل محاولة للوقوف والركض لتحقيق أحلامها، فإن المرأة الصعيدية استطاعت أن تقفز فوق تلال العراقيل وتحلق بأحلامها فى سماء الوطن، لتذهل العالم بقدراتها الفائقة فى شتى مناحى الحياة، فكانت منها العالِمة والمعلمة والقاضية والنائبة والوزيرة ووكيلة الوزارة ورئيسة المدينة وغيرها من المناصب القيادية، ذلك بجانب دورها الأساسى كمربية وصانعة أجيال، كانت مصابيح للعالم أجمع، فهى والدة الشيخ عبدالرحمن تاج والشيخ أحمد الخطيب والمغربى من زعماء مقاومة الحملة الفرنسية، ورجل الدين جلال الدين السيوطى صاحب تفسير الجلالين، وعميد الأدب العربى طه حسين ورفاعة رافع الطهطاوى والشاعر حافظ إبراهيم ومحمود حسن إسماعيل والأديب مصطفى لطفى المنفلوطى، وفى العصر الحديث العالِم أحمد زويل والزعيم جمال عبدالناصر والموسيقار عمار الشريعى وغيرهم، وما زالت لديها الكثير والكثير لتقدمه دون أن تننظر جزاءً أو شكوراً.

إنها المرأة الصعيدية، حقاً هى امرأة حديدية.

* كلية الآداب – جامعة أسيوط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى