د. هانى أبوالفتوح يكتب: طولتى الغيبة!
قبل قيام الثورة بسنوات وكنت أحلم أن أرى بلدى على طريق البلاد المتقدمة، لا أقصد فى الصناعة والزراعة والتجارة والتعليم والبحث العلمى، فهيهات هيهات، كنت أعتقد أنه مازال أمامنا الكثير نظرا للعقلية التى كانت تحكمنا فى تلك الفترة، والتى لم تكن لتفكر فى أن تبدأ مشروع يضع مصر على مصاف هذه الدول التى تسعى للنهوض فى المجالات المختلفة. لقد كان حلمى يتلخص فى أن نؤمن بإنسانية المصرى ككيان وكشخص له قدرات ومواهب مدفونة كالكنز الذى غطاه التراب من كثرة الإهمال ومرور الزمن عليه.
كنت أرى العالم من حولى يفكر فى الفلسفة الإنسانية كأحد مسلمات القرن المنصرم وتطبيقاتها الحياتية المتمثلة فى حق الإنسان فى العيش بحرية وكرامة، حقه فى التعبير والفكر والإبداع، حقه فى ممارسة عباداته وشعائره، وحقه فى أن يستمتع بإنسانية، كنت أتصفح الصحف الإنجليزية وأندهش من كمية النقد البناء الموجة لحكومة تونى بلير فى ذلك الوقت، كمية الانتقادات اللازعة الموجهة لقرارت وزرائه ومساعديه، وانتفاضة الكتاب لأى انتهاك لحقوق وكرامة المواطن.
وكنت أقول: هل حقا سأرى وطنى يستمتع بمثل هذه الحريات يوما ما؟ هل سأرى بلدى يعبر الفرد فيها عما يجول بخاطره دون خوف من بطش أو انتهاكات؟ وكان دائما الرد الذى يأتينى: فيم تفكر؟ هل يستقيم التفكير فى ذلك والمواطن المصرى ميت وهو عايش؟ هل نفكر فى هذه الكماليات وهو فى الأصل لا يحصل على الأساسيات؟ هل نفكر فى حرية التعبير وليس لديه مسكن يأويه؟ حرية الفكر أم رغيف يعطيه لأولاده ليشبعوا؟
كيف سيشعر المواطن بالحرية ويمارسها وهو يسكن القبر شأنه شأن الأموات؟ كيف سيستنشق رحيق الحرية ورحيق الصرف الصحى والزبالة والفساد والسرقة والغش والتدليس والخيانة والكذب والنفاق والرياء وغيرها من الأمراض المجتمعية هى السائدة؟
وحينئذ أفيق من ذلك الكابوس وأقول: لله فى خلقه شئون.