مستشار وزير الماية السابق يكشف تواطؤ مسؤولى الجمارك فى تنفيذ مشروع الف
استمرارا لما نشرته «امل مصر» على مدار الفترة الماضية بملف أجهزة الفحص بالأشعة المعطلة فى جميع المنافذ الجمركية، ننفرد فى هذا العدد بنشر التفاصيل الكاملة لقضية أجهزة الفحص بالأشعة، وكيف سعت منظومة الفساد الحكومى لاستمرار الوضع الحالى لتحقيق مصالحها الخاصة، وهو ما يعرض الأمن القومى المصرى لخطر داهم، ويفتح الطريق أمام المهربين لإغرق البلاد بكل أنواع الممنوعات من أسلحة ومخدرات وسلع مهربة.
التفاصيل التى ننشرها لأول مرة يكشفها اللواء عاطف الفقى، مستشار وزير المالية السابق لتكنولوجيا المعلومات، والذى كان مسؤولا عن اللجنة الفنية المشكلة بالجمارك لتحديد احتياجاتها، لتنفيذ منظومة متكاملة للفحص بالأشعة، وطرح مناقصة عالمية انتهاء بتوريد المرحلة الرابعة من أجهزة الفحص بقيمة بلغت 65 مليون دولار مخصصة من وزارة التعاون الدولى بمنحة أمريكية، فى 2010.
ورغم قيام مصلحة الجمارك مؤخراً بالاتفاق مع جهاز المخابرات العامة، ليتولى بدوره طرح المناقصة وتوريد الأجهزة الجديدة، إلا أن واقع الحال يثبت أن شراء الأجهزة بهذه الطريقة سيكون كارثة أكبر، على حد وصف المستشار السابق لوزير المالية، والذى أكد أن الجمارك تسعى لشراء أجهزة صماء عبر جهاز المخابرات لإلقاء المسؤولية على الأمن القومى، دون أن تقوم المصلحة بتحديد احتياجاتها لإنشاء منظومة متكاملة من خلال شبكة ربط عبر أنظمة الحاسب، مزود ببرامج تحليل الطيف للحاويات وحفظ الصور، وذلك لضمان كشف أى عملية تهريب أو تواطؤ من موظف الجمارك وتصوير أى مخالفة.
وكانت بداية القصة كما يرويها اللواء عاطف الفقى، والذى انتدب للعمل بالمالية عام 2008 من إحدى الجهات الأمنية كاستشارى نظم معلومات، لمهمة محددة وهى تدوير النظم والسيطرة على البيانات، لأن بيانات مصر يتم التعامل معها من قبل هيئة المعونة الأوروبية، والمعونة الأمريكية، وشركة استشارية تعمل بالوزارة، وكان من المهم أن تبقى البيانات فى منظومة مميكنة ومؤمنة.
وقال الفقى إن مهمته الخاصة ببناء منظومة معلوماتية وميكنة العمل بالجمارك كانت تقف ضد رغبة عدد من القيادات المنتفعين بالمصلحة، وهو ما واجه معه صعوبات كبيرة لإتمام مهمته خلال الثلاثة أعوام التى قضاها بالعمل فى الوزارة، لأنها سهلت الإجراءات، وقللت زمن الإفراج الجمركى، دون الحاجة للتعامل مع الموظفين.
ويروى المستشار السابق لوزير المالية، أن بداية التفكير فى بناء منظومة متكاملة للفحص بالأشعة، كان يرتبط بنظام تتبع الحاويات بالأقمار الصناعية بشكل كبير، حيث كان من المفترض عند التفكير فى عمل هذه المنظومة المتكاملة، أن تكون على أساس تصوير الحاوية عند دخولها عبر المنفذ الجمركى، وتصويرها مرة أخرى عند خروجها، ومعرفة ما إذا كان هناك أى تغيير فى محتويات الحاوية ووزنها، فى الوقت الذى يتم فيه تتبع سير الحاوية بالأقمار الصناعية عند مرورها داخل البلاد لمعرفة خط سيرها وأين توقفت، وهل حدث تفريغ لمحوياتها أم لا، مما يسهل كشف عملية التهريب وقت حدوثها.
وذكر الفقى حقائق توضح مدى خطورة استمرار الوضع المتردى بالجمارك، خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية التى نعانيها الآن، وهو أن بيانات البنك المركزى تشير إلى فتح اعتمادات للاستيراد تصل إلى 60 مليار دولار فى المتوسط سنويا، فى حين لا تتعدى الحصيلة الجمركية من الإيرادات 12 مليار جنيه فقط، منها إعفاءات جمركية تتراوح ما بين 7 -8 مليار جنيه، أى أن الإيرادات فقط 3 مليار دولار، بما يعنى أننا لم نحصل 5% من المطلوب، ويؤكد هذا أن الجمارك تحتاج إعادة تأهيل وعمل منظومة مميكنة للقضاء على الفساد.
وأوضح الفقى، أنه لو هناك اعتمادات خاصة بتهريب مخدرات مثلاً سيتم ضبطها ومنعها، لافتاً إلى أن الألعاب النارية ممنوعة من الاستيراد.
وقال الفقى: «أنا حضرت بداية المرحلة الرابعة من منظومة الفحص بالأشعة عام 2010، حيث كان لدينا 34 جهاز فحص تتعطل باستمرار، وكان هناك تعاون مع المعونة الأمريكية فى هذه الفترة من خلال بعض الأشخاص الذين لهم علاقات بهم، وكان هناك برنامج يتم من خلاله الحصول على عائدات المعونة، حيث لم يكن يشترط أن تكون المعونة نقدية فقد تكون عينية مثل القمح، وعند بيع هذه السلعة يكون لها عائدات، حيث تم تخصيص 65 مليون دولار من عائدات المعونة لصالح منظمة الجمارك لشراء المرحلة الرابعة من أجهزة الفحص بالأشعة، ولكن بشرط أن تكون من مصدر المعونة أى من شركة أمريكية، وليس هناك مشكلة بهذا لأن هناك العديد من الشركات الأمريكية المتخصصة فى هذا المجال يمكن المفاضلة بينها، كما يمكن لأكثر من شركة سواء أمريكية أو أوروبية عمل كونسيرتيوم لإمداد الجمارك بأفضل العروض».
وكان الهدف عمل منظومة متكاملة لتأمين المنافذ الجمركية سواء البرية أو البحرية أو الجوية ومنافذ الركاب، من خلال أجهزة متطورة للفحص بالأشعة، وقمنا بفحص الأجهزة الموجودة حاليا بالمنافذ، ووجدنا أن عددا قليلا جدا يصلح للتطوير وإدخال تعديلات عليه ليدخل ضمن المنظومة الجديدة.
ولتحقيق هذه المنظومة المستهدفة اقترحت عدم عمل كراسة شروط مباشرة، وإنما عمل ما يسمى بالـ«RFI»، أى استقصاء للشركات العالمية العاملة فى هذا المجال لمعرفة ما يمكن أن يمدونا به قبل كتابة احتياجاتنا، وكان هذا الإجراء يهدف للتعرف على أحدث إمكانيات الأجهزة التى تم ابتكارها على مستوى العالم، على أن يتم تقسيم المرحلة الرابعة على أربعة مراحل، وتقوم الشركة بوضع تكلفة تقديرية، ووجدنا استجابة كبيرة من الشركات، حيث أرسلت 6 شركات حلولاً مبتكرة، وطلبت من مجموعة من شباب العاملين بالجمارك والمتخصصين بمجال الفيزياء والفحص بالأشعة دراسة هذه الحلول جميعها، والوصول منها لأفضل كراسة شروط يتم فيها وضع الاحتياجات بأفضل الإمكانيات وأقل أسعار بالاعتماد على تجميع نقاط القوة فى كل الحلول التى أرسلتها الشركات، وتلافى نقاط الضعف.
ولكن الكارثة – كما وصفها الفقى- أن فرق العمل التى شكلتها مصلحة الجمارك لهذا الغرض كانت جميعها من غير المتخصصين، من خلال الأقدمية والمعارف للحصول على مكافآت، وهو الوضع الذى تصدى له من خلال إعادة تشكيل لجان من شباب الفيزيائيين، الذين اجتمعوا بمستشار رئيس الجمارك الأمريكية لشؤون الفحص بالأشعة، وكانت جلسة مثمرة جدا، رغم أنها حوربت من قيادات الجمارك حتى لا تتم، وانتهى الأمر بوضع كراسة شروط على أعلى مستوى فنياً ومالياً.
ورغم كل هذا المجهود، أصرت قيادات الجمارك بعد الثورة على عمل كراسة شروط مباشرة دون المرور بجميع المراحل السابقة التى كان متفقا عليها، وطالبوا الفنيين من الشباب بعدم التعامل معى، بدعوى أننى من «الفلول»، واستعانوا ببعض منهم لعمل كراسة الشروط مباشرة، ووعدوهم برحلة إلى الصين، وكان هذا فى أكتوبر 2011 أى قبل خروجى من الوزارة بشهرين، ورغم ذلك لم أطلع على كراسة الشروط التى انتهوا منها.
ولكننى عندما رأيت جهد الشباب الذى ضاع، اعترضت وتحدثت وقلت إن الكراسة التى قاموا بصياغتها لم تتضمن وجوب صيانة وإصلاح أجهزة الفحص بالأشعة الموجودة حالياً فى الجمارك، وأغلبها معطل، ووجوب ربط الأجهزة بشبكة الربط بالجمارك، ووجود أرشيف إلكترونى، والربط بنظم المخاطر، مع العلم بأن نظام المخاطر يعتبر من أسرار الدولة ولا يمكن أن نستعين بنظام من دولة أخرى، أو تقوم أى جهة خارجية ببنائه لنا، حيث رفض الاتحاد الأوروبى منحنا هذا النظام، لأنه إذا قامت أى جهة بمعرفة نظام المخاطر الخاص بها، ستقوم بتفاديه واستغلال ثغراته فى التهريب.
واعترضت على عدم وجود أنظمة تعرف إلكترونى ومعها قواعد بيانات جاهزة للمواد الخطرة المعروفة عالميا قابلة للإضافة عليها وتحديثها دوريا، بما يدعم متخذ القرار ومسؤول الأشعة التعامل عليها، وألا يكون التركيز فى الكراسة على الأجهزة المتحركة، نظرا لأن دورها هو الكشف على البضائع الخاصة، أو بمكان لا يوجد به أجهزة فحص بالأشعة، أو دفعها لتغطية دور أى جهاز يتعطل فى أى موقع، ولا يمكن الاعتماد عليها لتكون الأجهزة الأساسية للمواقع، لأن كفاءة واستمرارية عملها تخضع لحالة السيارة التى تحملها وتتحرك بها، وبالتالى لو تعطلت السيارة سيكون جهاز الفحص معطلا، وطالبت أن تتضمن الكراسة منهج نقل الخبرة من الشركة للعاملين، فالكراسة التى قاموا بصياغتها تضمن شراء أجهزة متحركة بكل هذا المبلغ المخصص وقيمته 65 مليون دولار.
واعتمدت مصلحة الجمارك فى خطواتها المتتالية على عدد من القيادات التى ليس لها أى خبرة فى هذا المجال، وتم تهميش الشباب المتخصص، لدرجة أن هناك واقعة يتندر بها الشباب العاملون بالمصلحة، حول اعتراضهم على تضمن الكراسة لتوريد أجهزة جميعها متحرك، وهو ما يصعب معه توصيلها على شبكات الحاسب، حيث ردت على هذا التساؤل إحدى عضوات اللجنة بقولها: «نبقى ندلدل سلك من الشباك»، كأنه سبت خضار، وهذه واقعة حقيقية وليست نكتة.
وأضاف الفقى: «أرسلت مكاتبات للثلاثة وزراء الذين تعاقبوا بعد الثورة بداية من سمير رضوان ثم الببلاوى ونهاية بممتاز السعيد، كان آخرها تقرير ختامى للمهمة التى كلفت بها بوزارة المالية حول احتياجات الجمارك، أرسلته لممتاز السعيد قبل انتهاء مدة خدمتى بأربعة أيام فى 26 ديسمبر 2011، ولكن لم يتخذ أى منهم أى إجراء واضح فى الاتجاه الصحيح، وتقاعسوا عن التصدى للفساد المتغول بمصلحة الجمارك.
وأكد الفقى أن استمرار الوضع الحالى يهدد بكارثة أمنية، لأن الحدود المصرية أصبحت مكشوفة تماما أمام المهربين، الذين لهم حيل عديدة لتهريب جميع الممنوعات والسلع المهربة، وهو ما يتطلب الإسراع فى بناء منطومة متكاملة للفحص بالأشعة، بالتكامل مع نظام تتبع حاويات الترانزيت بالأقمار الصناعية، مع ضرورة النظر إلى إعادة هيكلة مصلحة الجمارك بشكل كامل، على أن تكون مستقلة ويرأسها مجلس إدارة وليس مجرد رئيس مصلحة موظف.