ايمن نور: هذا هو الحب!!
صادفنى رجل وامرأة من أغرب ما صادفت فى حياتى!
جاءنى الرجل منذ أيام وطلب مقابلتى، ورفض أن ينصرف قبل أن أستقبله!
قال لى إنه كان زميلى فى سجن «وادى النطرون»! وأنا دخلت سجونا عديدة، لم يكن منها هذا السجن!
أصر أنى كنت معه فى وادى النطرون، ثم انتقلنا سوياً لسجن 440، وهو أيضاً سجن لم أزره أو أقم فيه فى حياتى، إلى الآن على الأقل!
قلت للرجل بخجل إننى لم أره قبل الآن! ولم أكن يوماً فى سجن وادى النطرون أو 440!
قال لى: يظهر أنك نسيت! بعد مرور تسعة أعوام على تلك الأيام الصعبة!
قلت: منذ تسع سنوات – عام 2003 – لم أكن معتقلاً أصلاً، حيث اعتقلت فى يناير 2005!
قال لى: ألا تذكر الشاويش فلان؟ والضابط فلان؟! وفلان المسجون؟! وفلان المأمور؟
وعلى سبيل التذكير بدأ الرجل يحكى باستفاضة لبعض الحضور أمامى، ذكريات وبطولات مشتركة ووقائع طريفة وحزينة!
سألنى الرجل – بابتسامة عريضة -: هل تذكرت؟! قلت له: آسف ذاكرتى لم تسعفنى بعد!
قال إذا كنت أنت نسيت كل ما هذا، فعلك لم تنس ذلك المبلغ الذى اقترضته منك عندما كان مقرراً لى إجراء جراحة فى السجن، ولم يكن رصيد أماناتى يسمح بذلك، ولم يكن أحد من أسرتى يزورنى فكلفت زوجتك بسداد خمسة آلاف جنيه فى رصيد أماناتى فى سجن وادى النطرون!
قلت له: أقسم لك أننى لم أدخل فى حياتى سجن وادى النطرون لا زائرا ولا معتقلا!
قال: إذا كنت لا ترغب فى تذكر هذه الأيام فأنا لا أستطيع أن أنسى ديناً لك فى رقبتى!
وأخرج الرجل مظروفاً صغيراً ووضعه على الطاولة وانطلق نحو الباب رافضاً الاستجابة لرجائى له أن يبقى أو ينتظر أو يحمل مظروفه المغلق!
موقف آخر أدهشنى أكثر.. بعد ساعات طلبت سيدة فاضلة فى منتصف العقد السادس من العمر -لقائى فى مكتبى، وقالت لى إنها كانت توكل مكتب والدى للمحاماة بالمنصورة فى العديد من قضاياها الخاصة مع الإصلاح الزراعى!
سألتنى: هل صحيح ما نشر عن منعك من السفر ومن مزاولة مهنة المحاماة أو بيع ممتلكاتك؟! قلت: نعم!
قالت: لكن هذا لا يمنع من أن تقدم استشارات قانونية لمن يحتاجها؟ قلت: نعم؟ فقالت: لدى استشارة فى شأن قضية أرغب فى أن تقدم لى فيها نصيحتك القانونية.. قلت: لا بأس!
روت لى السيدة باختصار وقائع القضية وتركت لى ملفاً ببعض الأوراق، ومظروفاً مغلقاً قدمته لى بوصفه أتعاباً عن الاستشارة! قضيت أياماً أدرس الملف والأوراق وأدون ملاحظاتى حول بعض البيانات التى أريد الاطلاع عليها.. حاولت مراراً الاتصال بالسيدة الفاضلة لمساعدتى فى الوصول إلى هذه البيانات لكن تليفونها الذى قدمته لى لا يجيب أبداً!
أرسلت زميلى أسامة عبدالمنعم المحامى بمكتبى، للاطلاع على أوراق القضية واستخراج البيانات المطلوبة من محكمة المنصورة الابتدائية، لكنه قال لى إن هذه القضية انتقلت منذ سنوات بعيدة إلى محكمة الاستئناف فطلبت منه مواصلة البحث فى محكمة الاستئناف، لكنه بعد ساعات صدمنى بمفاجأة أذهلتنى عندما قال لى إن القضية حكم فيها نهائياً فى الاستئناف والنقض لصالح هذه السيدة ونجلها منذ عام 2000!
لم أفهم سبباً واضحاً لما فعلته السيدة وقبلها زميلى الوهمى إلا بعد ساعات عندما روى لى زميل بـ«الغد» أنه تحدث منذ أيام فى إحدى الفضائيات عما أتعرض له من تضييق غير مسبوق على حقى فى العمل والتصرف فى أموالى فى محاولة لخنقى وقتلى بلا دم!
سألت زميلى بـ«غد الثورة» متى كان هذا اللقاء التليفزيونى فأشار إلى اليوم السابق لزيارة زميلى الوهمى، وقبل يومين فقط من لقائى بالسيدة صاحبة القضية المنتهية!
سبحان الله.. الذى قد يكون حرمنى من حب بعض من أعرفهم وأحبهم، لكنه وهبنى حباً وتعاطفاً من أناس لا أعرفهم!
أحياناً يضعف إيمانى بعظمة هذا الشعب، وأحياناً يتضاعف إيمانى به!
لا تحزن أبداً إذا وجدت قريباً، أو صديقاً، يدير ظهره لك، فالدنيا أوسع كثيراً مما نعتقد!
كم كنت أتمنى أن أشكر هذا الرجل وهذه السيدة ولم أعرف سبيلاً للاتصال بهما.. آملاً أن تصلهما سطورى هذه!