شهادات ضحايا التحرش والاغتصاب وشهود العيان تكشف خطة تشويه «الميدان»..
«التحرش والانتهاك الجسدى الجماعى» مصطلحات تتردد بقوة فى الآونة الأخيرة، وارتبط وجودها بالفتيات المشاركات فى المظاهرات المعارضة للنظام، الكل يمقت ما يحدث لأنه ببساطة لا يهدف سوى لتشويه صورة الثورة والثوار، وهو ما تؤكده الضحايا أنفسهن، خاصة مع ارتفاع عددهن إلى 15 حالة اغتصاب وتحرش فى يوم الذكرى السنوية للثورة حسب ما رصدته المنظمات الداعمة لحقوق المرأة.
تفاصيل مشتتة بين ضحايا وشهود ونشطاء، جميعها تؤكد وجود أيد مدبرة لهذه الحوادث التى تزايدت حدتها فى الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق من أجل تشويه الميدان، وترويع المتظاهرات من النزول إليه، وسط صمت الجهات الأمنية فى الدولة عن ملاحقة المعتدين.
كيف يحدث اغتصاب فتاة وسط تجمع آلاف من البشر؟ هل هى حوادث متعمدة يفعلها مندسون داخل الميدان من أجل تشويهه وتخويف الفتيات من النزول لأنها حوادث متفرقة يقوم بها مجموعة من الأفراد لا تجمعهم سوى غريزتهم الحيوانية؟ وأخيراً.. لماذا لم يتم القبض حتى الآن على أى من هؤلاء المتحرشين الذين لا يظهرون إلا فى مليونيات قوى المعارضة سواء تحت حكم المجلس العسكرى أو الإخوان؟.. عشرات الأسئلة التى انطلق منها تحقيق «اليوم السابع»، الذى استمر ما يقرب من أسبوعين قبل الذكرى السنوية للثورة لمحاولة الوصول إلى الجناة والطرق التى يستخدمونها لمنع المتظاهرين من مساعدة الفتيات وإنقاذهن من الاعتداء الجسدى بجميع أشكاله.
الخطوة الأولى: فصل الضحية عن أصدقائها فجأة
«أيديهم امتدت إلى كل جزء فى جسدى، كفوفهم لم تتوقف عن ضربى وما زالت آثارها على ظهرى، أحدهم ضربنى بمطواة وآخرون ظلوا ينهالون على بأحزمتهم، شعرت بأنهم ينتقمون منى، رغم أنى لم أكن أتظاهر إلا للحرية والعدالة، فعاقبونى لأنى أنثى».. شريط مصور لمشاهد قاسية تسجلها ذاكرة «م. ن» التى طلبت عدم ذكر اسمها كاملاً أو صورتها أو حتى التسجيل معها، واكتفت بذكر الحروف الأولى من اسمها وعمرها الذى لم يتعد عمرها 21 عاماً، فهى إحدى الفتيات اللاتى تعرضن للتحرش الجماعى فى ميدان التحرير، حادث اغتصاب جماعى لفتاة أخرى وقع هذا العام أثناء تظاهرات ذكرى «25 يناير»، أعادت تلك الحوادث مشاعر الألم والحزن لـ «م، ن» التى لم تتوقف عن البكاء فور سماعها بما حدث لهن، حيث وجدت فى حادثة الفتاة المغتصبة بالميدان والتى لم تتعد هى الأخرى 19 عاما، نفس تفاصيل واقعتها، التى تضمنت الخطف والانتهاك الجماعى والضرب والإصابة، وكأن الفاعل واحد فى كلا الجريمتين، قالت: «حديثى إنذار وتجسيد لحملة مغرضة تتم ضد فتيات الميدان تقول لهم اجلسوا فى المنازل، وكأنهم يعتبرون أننا نقطة ضعف تستطيع أن تكمم أفواه الحرية»، وهو التفسير الذى لا تتبناه «م» لوحدها، بل تتفق معها أغلب ضحايا التحرش الجماعى الذين قبلوا تسجيل شهادتهم، والشهود العيان، وأصحاب مبادرات الدفاع عن التحرش.
«فى السادسة من مساء الجمعة 23 نوفمبر، كنت مع إحدى صديقاتى نقف بالقرب من تقاطع شارع القصر العينى والشيخ ريحان، ضمن مليونية لا للإعلان الدستورى، سقطت عدة قنابل مسيلة للدموع أطلقتها قوات الأمن على المتظاهرين أثناء المواجهات عند سيمون بوليفار، فبدأت أجرى أنا وصديقتى لنجد أنفسنا وسط قوات الأمن، من التزاحم وقعنا على الأرض، فى هذا الوقت هجم علينا مجموعة من الشباب ظهروا فجأة ليبدأوا فى تمزيق ملابسنا»، كانت هذه جزءا من شهادة «ى» عن واقعة اغتصابها بالقرب من شارع محمد محمود مساء مليونية «حلم الشهيد» والتى نشرتها على الفيس بوك، وهى الحادثة التى أثارت جدلا كبيراً نظراً لوقوعها فى مكان شديد الازدحام، ولم تكن الساعة تتجاوز التاسعة مساء.
الخطوة الثانية: نشر الشائعات
«هوجة وصراخ وناس كتير متجمعين وضرب بالأحزمة».. كان هذا أول ما رآه «ر. ن» فى إحدى وقائع التحرش الجماعى التى حدثت أمامه بميدان التحرير، وفى ذلك يقول: وجدنا عددا كبيرا من الناس متجمعين عند شارع محمد محمود، يتمايلون يمينا ويسارا من شدة التزاحم، وفى المنتصف شاهدت مجموعة رجال يمسكون بأحزمة ويضربون بها شخص ما اقتربت بسرعة لمعرفة ما يحدث وكلما سألت أخبرونى بأنهم يضربون لصا، لكن عندما وصلت إلى الموقع اكتشفت أن من يتعرض للضرب بالأحزمة فتاة عارية تماما ومن يضربونها هدفهم إضعاف مقاومتها.
«ح. م» شاهد آخر أكد أن الجناة، منعوا دخوله لمساعدة الضحية بحجة أنهم لا يريدون زيادة عدد المتحرشين، فى حين خلفهم العشرات يتحرشون بها وكأنهم وقفوا لحمايتهم.
فى هذا الوقت كان داخل المستشفى «أ. ن»، ملازما لصديقه المصاب فى الأحداث، وقال فى شهادته: «فجأة وجدت مجموعة كبيرة تقتحم المستشفى الميدانى، وبينهم الفتاة العارية تماما، ولاحظت أن من يتحرش بها هم الذين يبعدون الناس عن مساعدتها».
«أ» أكد أنه شهد العديد من حوادث التحرش الجماعى منها ما وصل إلى الاغتصاب وأن الجناة من غير الوجوه المألوفة على الميدان وموضحا: «مسكنا أحدهم ذات مرة، فلم تمر دقائق إلا وجاء مجموعة من الأفراد واعتدوا علينا بالضرب وخلصوه منا.
انتهاء المهمة والهدف «اغتصاب الميدان»
جانيت عبد العليم إحدى المسعفات فى التحرير حيث تقدم الدعم النفسى والمعنوى لضحايا التحرش التابعة لمركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية قالت: استخدام التحرش الجنسى كسلاح للقضاء على المظاهرات وتشويه أماكن بعينها ظاهرة اعتدناها – كناشطين فى حقوق الإنسان – منذ عصر مبارك، لكنها كانت تسند لجنود الأمن المركزى، وفى عهد المجلس العسكرى اتخذت الظاهرة شكل كشوف العذرية، وسحل «البنات»، لكن الأكثر قسوة كان فى عهد الرئيس مرسى، حيث وصل الأمر إلى حد الاغتصاب الكامل.
وأضافت جانيت: المجموعة التى تختطف البنت فى البداية، يكون هدفها فى كل الحالات واحد «فض غشاء البكارة»، وهو سلوك عنيف ليس هدفه «التحرش»، وإنما «تأديب» الفتاة.
فتحى فريد، منسق مبادرة فؤادة ووتش، كان فى التحرير أثناء مليونية «حلم الشهيد» قال: مع حلول السادسة مساء وصلتنا على غرف العمليات بلاغات عديدة تفيد بأن هناك ضحية تنتهك من قبل أعداد كبيرة قرب كوبرى قصر النيل وأن أعداد النشطاء لا تكفى لإنقاذها، فتحركنا فى مجموعات كبيرة لإنقاذ الضحية ونصبنا حاجزا حولها وخلقنا ممرا آمنا لعبور البنت التى ستنقذها.
محمد عواد، عضو المكتب التنفيذى للتيار الشعبى، ومنسق حركة شباب من أجل العدالة والحرية، أكد أن تصاعد حالات الانتهاك الجسدى الجماعى بدأ مع إعلان قوى المعارضة الاعتصام داخل الميدان، مشيراً إلى أن القوى الثورية الشبابية رصدت هذه الحالات منذ فترة كبيرة، ولاحظنا وجود مجموعات منظمة مأجورة، مثل التى كان يستخدمها الحزب الوطنى من قبل وهى نفسها التى كانت تفتعل المشاكل مع المتظاهرين بعد انتهاء 18 الاعتصام الأولى بعد الثورة، إلا أنها حالياً تستخدم من أجل ترويع المتظاهرات فى الميدان.
وقال عواد: «هناك أطراف تستهدف استمرار المشاكل فى الميدان، وتؤجر مجموعات كبيرة تندس وسط المظاهرات، تعتمد على استهداف الفتيات وجرهن لأماكن منخفضة الكثافة العددية مثل الحارات أو أطراف الميدان عند جماعة الدول العربية أو قصر النيل أو ميدان عبدالمنعم رياض، لأنهم يعلمون أن معظم الشباب الثورى يكون فى قلب الميدان، وبالتالى بمجرد أن نعلم بالحدث ونصل إليهن يكونوا قد أدوا مهمتهم فى انتهاك الفتاة».
وأوضح أن القوى الشبابية تعمل حالياً على إعداد خطة لمواجهة هذه الاعتداءات، قائلاً: «سنعيد فى الفترة المقبلة مجموعات العمل التى ستنزل لتشارك فى تأمين الميدان نفسه».
من جانبه، أكد محمد تيمور، منسق مبادرة «لا للتحرش»، أن حالات التحرش الجماعى التى ترصدها المبادرة تقريبا تكون متطابقة فى كيفية تنفيذها ما يؤكد أنها مقصودة وليست عشوائية، موضحا أن الحوادث تنال فى الغالب المشهورات، مثل المراسلات الصحفيات، أو الفنانات كما حدث مع بسمة، أو الناشطات السياسيات، وهذا يوضح اختيار الجناة للضحية بعناية.
لماذا التحرش؟
قالت ماسة أمير، باحثة فى مركز نظرة للدراسات النسوية: لاحظنا فى التحرش الجماعى أنه يبدأ بضرب الفتاة كى تخضع وأن هؤلاء يعرفون أن الانتهاك الجنسى أكثر ما يدمر السيدة لأن المجتمع لا يعتبرها ضحية.
هذه الظاهرة يرجع حسن نصار، منسق مبادرة بصمة لمنع التحرش، سببها إلى أن القانون عقيم.. صحيح عقوبته كبيرة لكن لمن يستطيع الإثبات، وهذه ثغرة تتيح لأى بلطجى الاعتداء على الفتاة دون عقاب، فالمجنى عليها وفقا للقانون يجب أن تقبض على الفاعل مع وجود شهود وتقتاده إلى أقرب قسم شرطة وتحرر له محضرا، وغالبا ما تطالب أقسام الشرطة والفتاة بالتوجه إلى النيابة العامة لتقديم بلاغها، وبعدها تدخل فى قضية طويلة الأمد تكون كافية لمعرفة الرأى العام كله بالواقعة، وهو أمر لا تستطيع كل الفتيات مواجهته، وبالتالى يفضلن الصمت.
حسن أوضح أن من يقف وراء التحرش الجماعى فى التحرير يستغل هذه الثغرة فى تحقيق مصالحه.
وأضاف حسن: نظمنا – كمبادرات لمنع التحرش – وقفة فى الثامن من أكتوبر الماضى وقدمنا مشروع قانون كامل إلى ديوان المظالم برئاسة الجمهورية يتضمن تغليظ عقوبة التحرش ولم يرد علينا حتى الآن أى أحد من الرئاسة.
عدم الاستجابة التى تحدث عنها النشطاء فى مجال حماية المرأة من التحرش.
.. والمساعدة النفسية بمركز «نظرة»: التحرش الفردى جبان وتحكمه الغريزة.. و«الجماعى» مقصود
التحرش الجماعى مقصود لأن هدفه لا يكون فى الغالب غريزيا– عكس الفردى- كما أن المشاركين فيه يشعرون بحماية بعضهم البعض.. هذا ما أكدته هبة غنيم، المساعدة النفسية بمركز «نظرة» للدراسات النسوية، فى حوارها لـ«اليوم السابع»، مشيرة إلى صمت «المنتهكات جسديا» وعدم إبلاغهن خشية نظرة المجتمع والفضيحة.
> ما التأثير النفسى على اللاتى يتعرضن للتحرش؟
– التحرش والاغتصاب أكثر ما يشكل صدمة نفسية للسيدة أو الفتاة، لأنه يفقدها الثقة، ويجعلها تشعر بالقلق والخوف، حيث دائما ما تجدها فاقدة الثقة فى الناس وينتابها الشعور بالقلق، من أن يتكرر لها نفس الحادث، وقد يصل الأمر إلى حد عدم قدرتها على التعامل مع الناس من جديد، وتختلف مدة عودتها إلى حياتها العادية حسب طبيعتها.
وقد يصل التاثير إلى حد دخول الفتاة فى عزلة ونفى ما تعرضت له كنوع من رفض الذاكرة للاعتراف بما حدث معها وأرى أن التحرش الجماعى أو الاغتصاب يضرب الفتاة فى إحساسها بأنوثتها ونفسها ويشعرها بالإهانة لتعريتها أمام مجموعة الذئاب البشرية وغيرهم خصوصا فى ظل طبيعة مجتمعنا الذى يعتبر أن أهم ما لدى البنت شرفها حتى وإن كان فقدها له رغم أنفها.
> فى رأيك ما سبب تزايد ظاهرة التحرش والاغتصاب الجماعى التى شهدها ميدان التحرير فى الآونة الأخيرة؟
– أعتقد أن تكرار هذه الظاهرة الوحشية على مدى أشهر قليلة يهدف إلى تكوين انطباع سلبى لتخويف الفتيات والسيدات من النزول إلى الميدان ومعارضة النظام والكثير من الفتيات العاديات سيخضعن لهذه الرؤية، لأنها وقتها لن تبرر ما قد يحدث لها بأنها تنزل من أجل الدفاع عن بلدها، وإنما لأنها بنت، عكس فتيات أخريات قد يكن من الناشطات الذين لديهن قضية للدفاع عنها أو أكثر إيمانا بالثورة، فهؤلاء سيشاركن فى الاحتجاجات لإثبات عدم خوفهن ولو تعرضن لأى انتهاك سيحولنه إلى قضية قومية.
> ما الذى يستفيده المتحرش بتخويف البنات من النزول إلى الميدان وكيف يشارك فى اغتصاب جماعى وسط المتظاهرين؟
– المتحرش جبان جدا، وبمجرد أن تتصدى له الفتاة تجده يهرب، لذلك أميل إلى اعتبار الحوادث التى شهدها الميدان مقصودة، فالتحرش الفردى يكون غريزيا عكس الجماعى، الذى لا يحدث وسط الجموع إلا إذا كان المعتدون يعرفون بعضهم البعض ويعلمون بوجود قوة أكبر تحميهم، ويجمعهم هدف واحد، لذلك تجد تشابه كبير فى الطريقة التى يقع بها التحرش الجماعى فى الميدان والذى غالبا ما يكون أفراده تحت تأثير المخدر بدليل تحملهم أحيانا الضرب.
> كيف تعاملت مع حالات تعرضت لمثل هذه الحوادث فى الميدان؟
– وصلتنا شهادات لفتيات تعرضن للاعتداء الجنسى، ووجدنا أنهن غالبا لا يطلبن التأهيل النفسى مباشرة، وبعضهن يكتبن مأساتهن كنوع من تحذير الأهالى، بينما ترى فتيات أخريات أن ما تعرضن له أمور شخصية لا يجب الحديث فيها، وفى الحالتين نتعامل مع الضحية بحذر وأهم شىء هو أن نعيد تكيفها مع ما حدث ونساعدها فى مواصلة حياتها بطريقة طبيعية.
> فى اعتقادك.. ما سبب رفض معظم الفتيات الإبلاغ عن تعرضهن للتحرش؟
– سبب عدم الإبلاغ عن التحرش أو الاغتصاب فى مصر ليس الفتاة بل المجتمع، حيث يجد الإعلام والرأى العام فى مثل هذه الحوادث مادة خصبة للكتابة والبث والحديث، وبالتالى تجد الفتاة نفسها ليست فقط فى مواجهة صدمتها النفسية، بل أيضا فى مواجهة نظرة المجتمع ككل لها، على مدى فترة كبيرة تقتضيها ظروف التقاضى الذى يستلزم وقتا وإجراءات معقدة، بالطبع من الأفضل أن تبلغ حتى تحصل على حقها وتمنع مغتصبها من إيذاء غيرها.