مبادرات الأزهر فى «الإنعاش» «الإنقاذ» انسحبت منها..و«الثوار» لا يثقون
6 مبادرات أطلقها الأزهر الشريف منذ قيام ثورة 25 يناير، حاول فيها احتواء الأزمات السياسية والخلافات بين الأحزاب والقوى السياسية التى ينتج عنها دوما نزيف للدم وسقوط الشهداء وتزايد أعداد المصابين.
تبدأ مبادرات الأزهر بصفة عامة بظهور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وممثلى الأحزاب فى مؤتمر صحفى تحتفى به جميع الوسائل الإعلامية والمواطنين للإعلان عن الوثيقة التى يوقع عليها المشاركون فى المبادرة.. وما أن يرفع الموقعون أقلامهم، تظهر أحداث جديدة تقصى «الوثيقة» جانبا، وتعود الخلافات وأحداث العنف من جديد، ليصاب الشعب الذى احتفى بالوثيقة بـ«الإحباط» مرة أخرى.
الأيام الماضية شهدت انهيار وثيقة «نبذ العنف» عقب أحداث الاتحادية والاعتداء على المتظاهرين وسحل أحدهم، بخلاف تلويح جبهة الإنقاذ الوطنى بالانسحاب منها ورفض الحوار قبل وقف نزيف الدم.
وبالتعرض لدور الأزهر الفترة الماضية، نجد أن الأزهر أطلق 6 وثائق، وأخرى لم تخرج إلى النور خاصة بالمرأة، كانت عبارة عن مبادرات يطلقها الأزهر تنتهى بعد اجتماعات إلى وثائق تكون فى الأساس استرشادية وليست ملزمة لأى طرف.
الوثيقة الأولى خرجت تحت مسمى «وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر»، وبالتحديد، فى 19 يونيو 2011، بحضور مجموعة من المثقفين المصريين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية مع عدد من كبار المفكرين فى الأزهر الشريف وتدارسوا مقتضيات اللحظة التاريخية التى تمر بها مصر بعد أحداث 25 يناير، وأهميتها فى توجيه مستقبل مصر نحو غاياته النبيلة وحقوق شعبها فى الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتوافق المجتمعون على ضرورة تأسيس مسيرة الوطن على مبادئ كلية وقواعد شاملة تناقشها قوى المجتمع المصرى لتصل فى النهاية إلى الأطر الفكرية لقواعد المجتمع ونهجه السليم.
شارك فى تلك الوثيقة عدد من المثقفين المصريين منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور صلاح فضل، والدكتور محمد صابر عرب، والدكتور محمد كمال إمام، والدكتور جابر عصفور، والدكتور عبدالمعطى بيومى، حيث بلغ عدد المشاركين فى صياغة تلك الوثيقة، 31 شخصية.
وتم طرح تلك الوثيقة على القوى السياسية والوطنية والدينية فى اجتماع عقد فى 18 أغسطس 2011، بحضور الكنائس الثلاث والراحل البابا شنودة، كما حضر الدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى وعمرو موسى والسيد البدوى والدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان وممثلون عن الدعوة السلفية وتم التوافق على أن تكون تلك الوثيقة استرشادية لوضع الدستور المصرى.
وتضمنت بنود الوثيقة دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التى تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة، ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب، بما يتوافق مع المفهوم الإسلامى الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا فى تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف فى الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التى تسلطت على الناس، وعانت منها البشرية فى بعض مراحل التاريخ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هى المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية فى قضايا الأحوال الشخصية.
وفى 31 أكتوبر من عام 2011 أطلق الأزهر وثيقته الثانية لدعم إرادة الشعوب العربية، والتى احتوت على ستة بنود منها أن تعتمدُ شرعية السُّلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِى يَتمُّ فى نزاهة وشفافية ديمقراطية، باعتباره البديل العصرى المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة، وطبقًا لتطوُّر نُظُم الحكْم وإجراءاته فى الدّولة الحديثة والمعاصرة، وما استقرَّ عليه العُرف الدستورى من توزيع السُّلُطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والفصل الحاسم بينها، ومن ضبط وسائل الرّقابة والمساءلة والمحاسبة، بحيث تكون الأمّة هى مصدر السُّلطات جميعًا، ومانحة الشرعية وسالبتها عند الضرورة.
وأطلق الأزهر الشريف فى الثامن من يناير لعام 2012 وثيقته الثالثة والتى توافقت عليها جميع القوى السياسية، وحملت هذه الوثيقة مسمى «عن منظومة الحريات الأساسية» والتى حوت على أربع حريات وهى حرية العقيدة، وحرية الرأى والتعبير، وحرية البحث العلمى وحرية الإبداع الفنى والأدبى.
وفى 11 يناير 2012جمع الأزهر الشريف فى رحابه جميع القوى السياسة والوطنية والدينية وذلك فى مبادرة أطلق عليها «نحو استعادة روح وقيم الثورة المصرية واستكمال أهدافها» انتهت بإعلان وثيقته الرابعة، حيث أعلن الأزهر حينها عن عدد من البنود نحو الحفاظ على سلمية الثورة بعد أن كان الخوف يسيطر على الشارع المصرى من تكرار الحوادث التى أعقبت الثورة فى عام 2011 فدعا الأزهر إلى هذا الاجتماع ليجمع جميع الأطياف على كلمة سواء وليمر العيد الأول للثورة بدون ما يعكر صفو الاحتفالات.
وأعلنت تلك القوى فى حينها التزامها بالحفاظ على «روح ميدان التحرير»، كما كانت خلال الأيام الثمانية عشرة، «التى غيرت مجرى التاريخ المصرى، وجمعت كل أبناء الوطن على كلمة سواء».
كما استنكروا مثول المدنيين أمام المحاكمات العسكرية، وأكدوا حق المواطن الدستورى فى محاكمته أمام قاضيه الطبيعى، ومنع المحاكمات العسكرية للمدنيين، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وطالبوا بسرعة المحاكمات بما لا يخل بحرمة الحق ومقتضى العدل وواجب النزاهة، كما أكدوا على ضرورة استكمال الوفاء بحقوق أسر الشهداء والمصابين فى العلاج والتعويض والعمل والرعاية التامة، والمضى فى البناء الديمقراطى لمؤسسات الدولة وإتمام تسليم السلطة للمدنيين فى موعده المحدد دون إبطاء، والالتزام بما أسفرت عنه الانتخابات من نتائج، والتعاون بين شباب الثورة جميعًا وممثلى الشعب المنتخبين فى بناء مصر المستقبل تحت مظلة الديمقراطية وعلى أساس من الشرعية البرلمانية والتوافق الوطنى.
وفى 15 فبراير من عام 2012 أصدر الأزهر الشريف وثيقته الخامسة حول القدس وذلك فى افتتاح المؤتمر العام لنصرة القدس، الذى عقد بمشيخة الأزهر، لحشد الجهود لإطلاق «الحملة الدولية الكبرى لكسر الحصار عن القدس والمقدسيين».
وفى 31 يناير 2013 أصدر الأزهر الشريف وثيقته السادسة «لنبذ العنف» حيث استطاع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، جمع الفرقاء على الساحة السياسية والوطنية بمصر لبحث الخروج من الأزمة، وهو ما لم تستطعه رئاسة الجمهورية، خاصة بعد تزايد وتيرة العنف فى البلاد.
كل تلك الوثائق التى أصدرها الأزهر الشريف كانت عبارة عن وثائق استرشادية وليست إلزامية لأن الأزهر ليس جهة تنفيذية، الأزهر الشريف نجح فقط فى جمع الفرقاء السياسيين على طاولة واحدة.
والسؤال الذى يطرح نفسه: لماذا فشلت هذه المبادرات على الرغم من إجماع القوى السياسية على حضورها والموافقة على بنودها؟
الدكتور عبدالرحمن البر عميد كلية أصول الدين، بجامعة الأزهر، قال إن الأزهر يصدر وثائق ويوقع عليها الأطراف وهى التى تسأل لماذا لم تلتزم؛ فالأزهر ليس هيئة تنفيذية ولا يملك قوة لإجبار أحد إنما هذا الدور القوى للأزهر من خلال موقعه الكبير يجعله فى قلوب المصريين وهو الذى يدفعهم إلى القبول بالاقتراح الذى يقدمه الأزهر.
وتابع البر قائلا: المفترض على كل القوى السياسية التى وقعت على وثائق الأزهر أن تكون ملزمة أدبية وأخلاقية أمام الشعب وعلى أى حال فإن تلك الوثائق ليست ملزمة لأنها ليست قانونية ولكنها ملزمة أدبيا وأخلاقيا وهذا دور الشعب أن يبين للقادة السياسيين الذين يوقعون على وثائق ولا يلتزمون بها بأن هذا أمر غير مقبول وفى النهاية هو التزام أخلاقى وقيمى والذى يتخلى عنه ينكشف أمام الشعب، فأى وثائق تتفق عليها القوى السياسية، فهذه القوى مطالبة أن تكون عند كلماتها.
أما الدكتور وحيد عبدالمجيد، عضو جبهة الإنقاذ الوطنى، قال إن الأزهر الشريف ليس له دور سياسى مباشر، ولا ينبغى أن يلعب هذا الدور، مضيفاً أن الأزهر يلعب حالياً دوراً وطنياً عاماً، سواء بالتدخل فى القضايا الوطنية الهامة التى يختلف فيها المصريون، أو للتقريب بين القوى المختلفة بالدعوة لمبادرات تحقيقاً للتوافق والتقارب بين وجهات النظر المختلفة.
وأضاف عضو جبهة الإنقاذ الوطنى، أن الأزهر لما له من ميراث وطنى على مر العصور، فإنه يلعب دورا هاما فى مواجهة الانقسامات الخطيرة بين التيارات السياسية المختلفة، خاصة التى تحتاج التعامل معها بحكمة، مؤكداً أن فعالية دور الأزهر لا تقتصر على تاريخه وميراثه الوطنى فقط، ولكن ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقابلية الأطراف السياسية التى تقوم بالدور السياسى المباشر لمبادراته.
وشدد عبدالمجيد، على ضرورة أن يبذل الأزهر جهده فى إطار تفعيل المبادرات لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية، رغم عدم وجود ضمانة لتحقيق نتائج، خاصة أن مبادرات الأزهر غير ملزمة لجميع الأطراف السياسية، مستشهداً بوثيقة الأزهر التى صدرت فى شهر يونيو 2011.
وأوضح عبدالمجيد، أن سبب زيادة دور الأزهر فى المرحلة الحالية، هو عجز السلطة الحاكمة عن حل المشاكل الرئيسية والمتفاقمة بالبلاد، وعزوفها عن إجراء حوار جاد وبناء، بالإضافة إلى عدم قدرة المعارضة على تشكيل ضغط قوى يجبر السلطة للتحاور معها بشكل أكثر جدية.
ومن جانبه قال الدكتور عبدالله المغازى أستاذ القانون الدستورى، المتحدث الرسمى باسم حزب الوفد، إن الأزهر الشريف يحتفظ بكيانه كمؤسسة دينية وما يلعبه الآن ليس دوراً سياسياً، بالمعنى المفهوم، ولكنه دور وطنى لنبذ الخلافات والعنف، وذلك استناداً إلى ما يتمتع به الأزهر من تأثير إيجابى فى نفوس المصريين عامة سواء الساسة بمختلف انتماءاتهم أو جموع الشعب المصرى، بالإضافة إلى أن الأزهر يحتفظ بمكانة كبيرة فى قلوب المصريين على الرغم من محاولات التيار الدينى لتهميش دوره، ومحاولته السيطرة على مؤسسة الأزهر والنيل من استقلاليته كونه مرجعية وسطية للإسلام لدى كل المصريين.
وأضاف المغازى، أن ظهور دور الأزهر القوى فى الفترة الحالية، يعود إلى ضعف السلطة، وفقدان المعارضة الثقة فى النظام، لافتاً إلى أنه فى ظل تلك الظروف كان لابد من وجود دور قوى تلعبه إحدى مؤسسات الدولة المؤثرة التى تلقى ترحيبا وتأييدا من الجميع لشغل الفراغ القائم بين النظام والمعارضة، مؤكداً أن هذا ما أتاح الفرصة للأزهر أن يلعب هذا الدور، رغم حالة الإحباط التى تسيطر على المعارضة للوصول لنقطة حوار جاد مع النظام.
وأكد المتحدث الرسمى باسم حزب الوفد، بالرغم من مكانة الأزهر فى نفوس المصريين، وتأييد جميع الأحزاب بجبهة الإنقاذ لمبادرته الأخيرة لإدانة ورفض العنف، إلا أن المبادرة مستقبلها ضعيف، وذلك لوجود محاولات متعمدة ومدفوعة الأجر لتشويه صورة الجبهة، وإحباط وثيقة الأزهر.
وأوضح المغازى، أن نفس الفصيل الذى يسعى لإحباط وثيقة الأزهر، يحاول أيضاً إحباط مبادرة حزب النور وجبهة الإنقاذ، وذلك لما يشعر به هذا الفصيل من حالة رعب شديد أن يكتمل التواصل بين التيار السلفى ممثلا فى حزب النور، وجبهة الإنقاذ، محاولاً حرق حزب النور بإيهام أنصاره ومؤيديه، بأن النور وضع يده فى أيدى المخربين والمشجعين على أحداث العنف، ممثلة فى جبهة الإنقاذ.
وأوضح المغازى، أن سبب الحفاوة التى يقابل بها الشعب المصرى والساسة أى مبادرة من الأزهر أو المؤسسة العسكرية دون باقى المؤسسات، لأن الأزهر والجيش معروف عنهما احترام الكلمة والوعد، وتمتعهما بحب ومكانة أدبية داخل نفوس كل المصريين.
فيما أبدى المهندس باسم كامل نائب رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، وعضو مجلس أمناء التيار الشعبى، رفضه أن يلعب الأزهر الشريف أو الكنيسة أى دور سياسى، موضحاً ذلك بأن تورط الأزهر أو الكنيسة فى العمل السياسى سيقلل من هيبتهم كمؤسسات دينية.
وأضاف نائب رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، أن الأزهر يلعب دوراً وطنياً ومجتمعياً فى إطلاق المبادرات، وتهدئة الأوضاع ولم الشمل، باعتباره المرجعية الدينية التى يحترمها ويوقرها جميع المصريين، مشدداً على ضرورة أن يحافظ الأزهر على حدود هذا الدور.
وأوضح كامل، أن الممارسات السياسية للنظام الحاكم قطعت كل خيوط وسبل الحوار مع المعارضة، لافتاً إلى أنه كان من الضرورى أن تظهر مؤسسة قوية لربط تلك الخيوط وتمهيد الطريق لحوار وطنى جاد، وهو ما قام به الأزهر الشريف، قائلاً: ولكن مهما حاول الأزهر فإن النظام فاقد لشرعيته، وليس لديه القدرة على كسب ثقة الشارع والمعارضة مرة أخرى.
وأشار كامل، إلى أن مبادرة الأزهر لوقف العنف، أصبحت هى والعدم سواء، فى ظل دولة تمارس العنف ضد مواطنيها ولا تفى بأى وعود، مستشهداً فى ذلك بأعمال العنف التى مارستها قوات الأمن ضد المتظاهرين فى محيط قصر الاتحادية، والتى تم سحل مواطن خلالها، ووقوع العديد من الإصابات.
فيما أكد الدكتور يسرى عبدالمحسن، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، أن ثقة المصريين بمؤسسة الأزهر ترجع إلى موروث ثقافى منذ قديم الأزل على اعتبار أن الأزهر منارة إسلامية جامعة تسير بالاعتدال والوسطية وبعيدة كل البعد عن الساحة السياسية، وأن تكون داخل حلبة الصراع السياسى، لافتاً إلى أن هذا ما يدعو المصريين للالتفاف حول أى مبادرة أو دعوة يقوم بها الأزهر.
وأرجع الثقة بالأزهر، إلى أنه بعيد عن الاستقطاب السياسى بواسطة أى فصيل من الفصائل السياسية ولم يخرج إطلاقا عن مساره واعتداله.
وأضاف عبدالمحسن، أن سبب فشل المبادرة الأخيرة التى أطلقها الأزهر، وأنها لم تأت بالثمار المرجوة منها، أن الدعوة لم توجه لجميع الأطراف المعبرين عن الشعب المصرى، واكتفت ببعض الرموز السياسية، بالإضافة إلى أن التوقيت جاء متأخراً بعد سقوط قتلى وجرحى، خاصة ما حدث فى بورسعيد.
واعتبر عبدالمحسن، أن حديث شيخ الأزهر لكبار السن فقط، يُفقده شريحة كبيرة من الشباب، متسائلاً: عن عدم وجود الدعاة الشباب على الساحة الآن.