الإخوان يهددون المخابرات العامة بـ”المركزى للمحاسبات”..
فى هامش ما داخل صفحات قواميس اللغة العربية ستجد الكثير من المصطلحات المهملة، من بينها مصطلح «الوطنية الغبية» الذى يمكنك تعريفه أو تبسيطه بأنه ذلك «الفلتر» الذى لا تمر من خلاله سوى تلك الأمور التى تخدم الوطن، وتبقى داخل شبكته كل تلك العمليات والقضايا والمحاولات التى تحمل بعضا من الضرر إلى جسد الوطن، يغيب مصطلح الوطنية الغبية وتغيب مفاهيمه ودلالاته عن الساحة وربما تدخل فى دروب التيه، ولكنه سرعان ما يقفز إلى سطح الأحداث مع كل فعل مريب يستشعر منه المواطن المصرى الحقيقى خطرا على كيان دولته.. تقول إن قوات الاحتلال الإسرائيلى تتحرك نحو حدود مصر فتقفز الوطنية الغبية إلى السطح وتنحى جميع الخلافات والمكاسب والخطط لصالح شىء واحد فقط هو الدفاع عن الأرض.. هكذا هو الأمر ببساطة.
عمليا يمكنك أن تستخدم مصطلح «الوطنية الغبية» وكأنه «ترمومتر» لقياس وطنية الفصائل السياسية المختلفة فى الأزمنة الصعبة.. مثلا يمكنك طبقا لمفهوم «الوطنية الغبية» سالف الشرح والتفسير على وضع المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وتصميمه الواضح والمفاجئ على فتح ملف الرقابة على أموال جهاز المخابرات العامة، أو بمعنى أصح رغبة سيادة المستشار فى التشهير بجهاز المخابرات العام وتصديره للناس وكأنه جهاز لإهدار أموال الدولة وعشة من عشش الفساد وتدوير الأموال الحرام.
لا تهتم بالحصول على نتيجة التحليل الآن، وركز كثيرا مع تصريحات المستشار جنينة التى تكررت فى الأسبوع الأخيرة عدة مرات على لسانه ولسان أحبائه من قيادات الإخوان المسلمين لتنادى بضرورة إخضاع جهاز المخابرات العامة وعملياته السرية والأمنية لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، ظل المستشار جنينة يردد التصريح الخاص بالرقابة على جهاز المخابرات ومن خلفه كورال إخوانى يعزف على نفس اللحن حتى اتخذ التكرار منحى آخر وشكلا مختلفا له روائح عفنة ومريبة ظهرت فى اتهامات صريحة وواضحة أطلقها المستشار جنينة فى حق جهاز المخابرات متهما إياه بالفساد والتستر على إهدار أموال الدولة قائلاً: «بعض الأجهزة السيادية ترفض الرقابة مثل المخابرات العامة، ووصلتنى شكاوى عديدة عن قيامها بأنشطة تجارية بعيدة كل البعد عن العمل المخابراتى ولدىّ مستندات دالة على هذا»، هكذا بكل بساطة وفى مؤتمر أو ندوة عامة وفى تلك الفترة الحرجة التى تعيشها مصر دفعت وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك للقول بأن مصر أصبحت ملعبا مفتوحا لأجهزة المخابرات الدولية والعالمية، يتهم المستشار رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات جهاز مخابرات بلده بأنه فاسد وأنه يملك مستندات على فساده دون أن يخبرنا أين هذه المستندات ولماذا لم يقدمها إلى النائب العام بدلا من عملية التجريس الواضحة والفاضحة التى يرتكبها حق الجهاز، التى تثير الكثير من الشك والريبة، خاصة أنها تأتى متزامنة مع تصريحات قيادات جماعة الإخوان التى تتهم هى الأخرى جهاز المخابرات بالفساد ورعاية البلطجية ونشر الفوضى فى مصر والعمل لصالح نظام مبارك وكأننا أمام حملة منظمة هدفها تدمير جهاز المخابرات أو تشويه سمعته أو كسر هيبته على أقل تقدير لصالح مكتب الإرشاد الذى يقود عدة حملات ممنهجة ضد مؤسسات الدولة بداية من الإعلام والقضاء والجيش ونهاية بالمخابرات بهدف كسر هيبة هذه المؤسسات وإخضاعها للإخوان وليس بهدف التطهير والإصلاح كما يروج المروجون، لأن من يرد الإصلاح لا يضغط لتشويه السمعة وكسر الهيبة.
سوء النية الذى يبدو جليا بسبب تزامن حملة هشام جنينة على المخابرات والترويج لفسادها وهروبها من الرقابة مع تصريحات الإخوان التى تروج لأن الجهاز الذى طالما كان فخرا وتاجا فوق رؤوسنا أصبح فجأة يعمل ضد مصلحة البلد، يمكنك أن تلمحه وتكتشف ما وراءه بالنظر إلى عدة أمور:
1 – جهاز المخابرات العامة جهاز وطنى مشهود له بالكفاءة والنزاهة على مر العصور من العدو قبل الحبيب ونجح خلال السنوات الطويلة الماضية فى حماية مصر من أذرع الموساد الطويلة فى المنطقة ودهاليزها، وهو مثله مثل باقى الأجهزة الاستخباراتية فى العالم لا يجوز قانونا ولا عرفا ولا سياسيا ولا من قبيل الوطنية مناقشة أموره وأخطائه -إن وجدت- علنا وعلى صفحات الجرائد والمؤتمرات والندوات، ولا يجوز اتهامه بالفساد وإهدار أموال الدولة وكسر هيبته فى عيون المواطنين دون أدلة وتحقيقات طويلة وموثقة، وبالتالى فإن ما فعله المستشار جنينة مع كامل احترامنا لمنصبه أمر يحمل من الريبة والشك، ما يجعلك تتحسس سلاح وطنيتك الغبية للرد على أمثال هؤلاء المتلاعبين بمؤسسات الوطن المهمة.
2 – من المؤسف والمخزى والمعيب والمحرج أن تجد رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات يتكلم عن الأمور المخابراتية وأعمال الجهاز الإدارية والسرية دون أن يدرس الأمر بشكل كاف فيظهر من حديثه، وكأنه رجل تنقصه المعرفة لا تملك سوى أن تظهر له بعضا من الشفقة بعد أن تسمعه وهو يقول: «تلك الجهات أنشأت صناديق بغرض الإسكان، وبناء قرى سياحية ومستشفيات، وتساءل: ما لهذا والعمل المخابراتى والدفاعى؟»، ولو كان سيادته قد كلف نفسه بدراسة ظروف وأجواء عمل أجهزة المخابرات فى العالم لاكتشف بنفسه أن وجود تلك المشروعات الاقتصادية والفندقية والسياحية أمر طبيعى فى عالم يحتاج إلى مشروعات يستخدمها كغطاء لبعض من أعماله، المفترض فيها السرية والتى لا تظهر أوراقها أو تفاصيلها إلا بعد عشرات السنين أو بعد 25 سنة كما فى الحالة الأمريكية التى يكتشف الجميع فجأة أن شركة ما قد تم إنشاؤها وإغلاقها فقط من أجل التغطية على عملية مخابراتية معينة، كما تم الكشف مؤخرا عن عملية الرهائن الأمريكان فى سفارة الولايات المتحدة بطهران.
3 – سوء نية المستشار هشام جنينة يتضح أكثر وأكثر حينما يسعى إلى طرح إصراره على تشويه سمعة جهاز المخابرات وتصديره للناس على أنه جهاز لا يريد رقابة خوفا من كشف فساده، بينما يظل مطبق الفم، أخرس، لا يتكلم ولا يتحدث عن أى أمر يخص أموال جماعة الإخوان أو تمويلات مكتب الإرشاد أو مصير الجمعية التى تم زعم إنشائها.
4 – الأغرب والأعجب أن يظهر رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ويطالب بضرورة إخضاع جهاز المخابرات للرقابة ويصور الجهاز بأنه بؤرة فساد، مصدرا الوهم للناس بأن الجهاز لا توجد قوانين رقابية تحكمه، وأنه يعمل خارج نطاق رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، وهو تصور خاطئ تماما ويؤكد سوء النية والتحامل مع المخابرات المصرية، لأن المادة 80 من قانون المخابرات المعروف باسم القانون 100 لعام 1971 والذى صدر فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تحدد جميع أمور التعاون بين المركزى للمحاسبات والمخابرات فيما يخص الرقابة على نشاط المخابرات المالى على النحو التالى: «يندب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بالاتفاق مع رئيس المخابرات العامة هيئة من موظفيه يكون مقرها المخابرات العامة تختص بالمراقبة المالية والمراجعة وفقا لأحكام هذا القانون، وتباشر الهيئة أعمالها بصفة سرية وترفع تقريرها إلى رئيس المخابرات العامة مباشرة»، ووجود مثل هذا النص القانونى الذى يحدد جميع أشكال الرقابة على أموال جهاز المخابرات يؤكد أن الضجة التى صنعها المستشار جنينة ومعه قيادات الإخوان هدفها الأساسى ليس البحث فى فساد الجهاز أو إخضاعه للرقابة الخاضع لها فعليا بحكم قوانينه، بل هدفه الأساسى كسر هيبة الجهاز العريق وتشويه صورته لدى رجل الشارع العادى.
5 – المستشار هشام جنينة وقيادات الإخوان صمتوا فجأة ولم يخرجوا للرد أو التوضيح أو الاعتذار حينما خرج مدير المخابرات السابق اللواء ممدوح قطب، وأكد للناس أن ممثل الجهاز المركزى للمحاسبات متواجد بصفة مستمرة داخل الجهاز لمتابعة الشؤون الإدارية والمصروفات والضرائب وأن كل الأنشطة الاقتصادية من أندية ومستشفيات ومساكن تخص الجهاز خاضعة بالفعل لرقابة سوق المال والجهاز المركزى، والصمت هنا يعنى أن الهدف الأساسى كما قلنا ونقول هو «عيار» أراد الإخوان إطلاقه نحو جهاز المخابرات إن أصاب كان خيرا، وإن لم يحقق أى إصابة فيكفى ما يصنعه من دوشة حول الجهاز الذى تريد الجماعة تحويله إلى خدمتها ومشروع بقائها وتمكينها لا لخدمة الوطن.
6 – الأزمة التى يعيشها جهاز المخابرات المصرى تعرض لها منذ شهور جهاز المخابرات الهولندى «جهاز المخابرات العامة والأمن AIVD» بسبب حالة التقشف التى فرضتها الدولة على مصالحها ومؤسساتها، وطالت كل شىء حتى الشؤون الملكية، وظهرت بعض الأصوات تطالب بضرورة تشديد الرقابة على الجهاز وتخفيض نفقاته وميزانيته، ولكن الرأى المتطرف والمتخلف قابله البعض بحملة استهزاء وحظى بحالة رفض شعبى دفعت خبير القضايا الأمنية ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية «روب دى فايك» للتأكيد على أن أى إجراء يمس الكشف أو حتى إمكانية الكشف عن الأداء المالى للمخابرات بالتخفيض أو بأى وسيلة «غير مسؤول بخصوص أمننا الوطنى»، وأشار دى فايك إلى سياسة التعاون بين أجهزة المخابرات فى البلدان الأخرى. وإذا لم يكن لدى المخابرات الهولندية ما تقدمه من معلومات، فمعنى ذلك أنها لن تتلقى بالمقابل أية معلومات من نظيراتها.
إذن فى الأمر الكثير من الشكوك والروائح غير الطيبة تجاه مؤسسات الدولة الصامدة فى وجه تيار الإخضاع الإخوانى، لأن حملات التشويه تبدو ممنهجة ومنظمة وتأتى دوما تحت شعارات براقة مثل التطهير والتنقيب فى باطن الدولة العميقة التى يبدو أنها شماعة الإخوان لتعليق فشلهم وفشل الدكتور مرسى فى إدارة شؤون الدولة، ولا دليل على ذلك خير من تلك القصة التى بدأها المستشار هشام جنينة بالحديث عن حق المركزى للمحاسبات فى الرقابة على جهاز المخابرات وتصدير الأمر للناس وكأن الجهاز يعمل خارج حزام رقابة الدولة ومؤسساتها.