والمؤيدون لترشيح السيسى يقولون إنه يمتلك «كاريزما» عبدالناصر وذكاء السادات
«الزعامات تخلقها المجتمعات لحاجة نفسية عميقة فى وجدانها، مع مؤازرة عوامل داخلية وخارجية، وتمليها سياقات تاريخية محددة»، هكذا قال «جوستاف لوبون»، أهم دارس سيكولوجية الجماهير.
إذا طبقنا هذه المقولة على تاريخ مصر الحديث، سنكتشف حقيقتها خاصة فى تجربتى محمد على باشا، وجمال عبدالناصر، وبالرغم من اختلاف السياقات التاريخية، إلا أن القاسم المشترك بينها هو حلم الجماهير بقائد يلبى مطالبها وأحلامها، ومع التسليم أيضا بأن لكل مرحلة سماتها الخاصة إلا أنه يقفز على سطحها مطلب سياسى جامع يحتاج القائد الذى يلتقطها ليحولها إلى حقائق ومكاسب على الأرض.
ومن هنا يمكن فهم، لماذا يدير المصريون ظهرهم لرؤساء يجلسون على كرسى الرئاسة، لكنهم يؤدون دورهم بمنطق الموظف الذى يذهب إلى عمله كل صباح، وعلى الضفة الأخرى نفهم لماذا يعطى المصريون كل حبهم للرئيس القائد الذى يبحث عن حلول غير تقليدية للعبور إلى المستقبل، وقد تجلب هذه الحلول أزمات، لكن الجماهير تتحدى بها طالما تثق فى أنها لها، ومن أجلها.
فى ظرف مصر الحالى والذى بدأ من ثورة 25 يناير، كانت آراء تتحدث عن أن أهم ما فى ثورة 25 يناير أنها بلا قيادة على أساس أنها ستفرز قيادتها الطبيعية فيما بعد، غير أن ثمن ذلك كان فادحاً، وصارت الميزة عيبا وعبئا أدخل مصر إلى نفق مظلم، بعد أن استطاعت جماعة الإخوان ركوب الثورة، وطرح نفسها كقيادة لها، وهو ما يتنافى كلية مع حقائق التاريخ، ومع معطيات الثورة نفسها التى فجرها المصريون بمختلف أطيافهم.
كسب الإخوان الجولة التالية لتفجير الثورة بقوة تنظيمهم وليس لبرنامج سياسى يعبر حقيقة عن مطالب المصريين فى العيش والكرامة والحرية، وبهذا المعنى ظل كرسى الرئاسة شاغراً فى نظر المصريين، رغم أن محمد مرسى كان يجلس عليه عبر صندوق الانتخابات، وظلت القلوب والعقول تخاطب هذا «الغائب» الذى تحلم به، وتبحث عنه فى صفوف المصريين.
جاءت ثورة 30 يونيو، لتفك لغز هذا «الغائب»، وتؤكد أنه إذا كانت ثورة 25 يناير بلا قائد، فلا معنى أن تكون ثورة الشعب الثانية بلا قائد، صحيح أن مقولة «الشعب هو القائد والمعلم» التى قالها جمال عبدالناصر هى الأساس فى كل ثورات المصريين، غير أن الشعب يحتاج إلى طليعة تحمل شعلة مطالبه، ويحتاج إلى قائد يعبر عن أحلامه، ومن يحمل رقبته على كفه يكون صاحب الامتياز فى غزو قلوب المصريين، تلك هى الحقيقة التى يمكن أن نفهم من خلالها الرغبة الشعبية العارمة فى طرح السيسى قائداً وزعيماً بدرجة رئيس، ونفهم منها تفسيرا للرأى الذى قاله «جوستاف لوبون» وذكرناه فى المقدمة.
غير أن هناك حقيقة لا يجب أن نغفلها فى هذا المقام، فهناك من يرفض هذا التوجه، من باب «أن الشعبوية» تقود إلى كوارث، غير أن من يرددون ذلك يقفزون على حقائق فى التاريخ المصرى تتعلق بأن لكل مرحلة قسماتها الخاصة، فإذا كان الماضى غير مطروح فيه قضية الديمقراطية بإلحاح، فإنها مطروحة الآن دون تفريط فيها، والحديث عن حشرها كمعنى معاكس لـ«العسكرية» هو تسرع بالغ فيه، وبالتالى فإن رفض المرشح صاحب الخلفية العسكرية هو ظلم كبير، فالأهم من ترديد هذا المعنى هو فهم حقائق التاريخ، فليس كل من ارتدى البدلة العسكرية ديكتاتورا، وليس كل من ارتدى البدلة المدنية ديمقراطيا، وبين الحالتين تحتاج مصر الآن إلى من يخرجها إلى المستقبل مدعوماً بإرادة شعبية حقيقية، ولأجل كل ذلك نقدم هذا الملف حول الفريق عبدالفتاح السيسى.