فن وثقافة

مدحت صفوت يكتب: رسول يسطو على أمانى أبو رحمة..كيف يدعى الباحثُ النبوة؟

كان لمشهد سرقة وإتلاف التراث العراقى عام 2003، بعد الغزو الهمجى الأمريكى على بلاد الرافدين عظيم الأثر على بشكل شخصى، ظللت لفترة، ليست بالقصيرة، أعانى تأثيره النفسى. يقينًا المشهد أكثر صعوبة على أهل البلد؛ بالتالى أفترضُ أنهم أكثر الناس رفضًا للسرقة المعرفية والعلمية، فمن جرب الكى أعلم الناس بالنار.

لكن يبدو أن الاحتلال نجح سريعًا فى أن يفرض أخلاقياته على بعض من أهل العراق، الذين استحل جزءٌ منهم سرقة أموال الوطن، والآخرون سرقوا جهد الباحثين والمترجمين، ومن الفريق الآخر باحث يُدعى “رسول محمد رسول” الذى سطى مؤخرًا على جهد المترجمة والناقدة الفلسطينية أمانى أبو رحمة.

سرقات ما بعد الاحتلال
فى عام 2010، أصدرت المترجمة الفلسطينية جهدها فى اختيار وترجمة 13 مقالة تناولت جماليات ما وراء القص، ما يعنى أن الكتاب ليس مجرد ترجمة بل إعداد نتيجة لفكرة محورية اختارتها أبو رحمة، ليأتى رسول ناقلاً عن المصدر العربى، ومصورًا أن الأمر اكتشافه، مضللًا القارئ بحذف اسم المترجمة والباحثة الأصلية ومكتفيًا بالإشارة إلى أسماء الأعلام الأجنبية، ويمكن أن للبعض أن يمرر أن الترجمة المتطابقة مع نص أمانى أبو رحمة مجرد تداعى أفكار، لكن السؤال الثانى هل الاعتماد على ثلاث مصادر لم يجمعها كتاب سوى مؤلف أبو رحمة مصادفة أو تداعى أفكار؟!

«رسول» بدأ مقاله -والمنشور بجريدة «الاتحاد» الإماراتية بعنوان « باتريشيا واو.. ما وراء السَّرد» بتاريخ 30 يناير 2014- منذ الحرف الأول ناسبًا جهد أبو رحمة فى الترجمة والتعريف بالكتاب لنفسه، متنقلا فى جولاته «اللصوصية» بين 3 مقالات، وهى: ما وراء القص تقانة واقعية الوعى الذاتى لـ«هى سوما»، وما وراء القص لـ«فيكتوريا اورلوفسكي» و«ما وراء القص التاريخى: السخرية والتناص مع التاريخ لليندا هتشيون»، وسنوضح الفقرات التى نسبها «رسول» لوحيه ومواضعها الأصلية بكتاب أمانى أبو رحمة.

جولات لصوصية لا معرفية
بداية قال الكاتب العراقى (عام 1982 قال لارى ماكفرى: «إن ما وراء القص هو تلك الكتابات التى تختبر الأنظمة الروائية، وتنظر فى كيفية ابتداعها، وفى الأسلوب الذى تمَّ توظيفه لتشكيل وتصفية الواقع بوساطة الافتراضات والاتفاقيات السَّردية. لقد وظَّف كافرى المصطلح- ما وراء القص- ليشير إلى نمط الرواية التى تتصفَّح بناءها الذاتى أو التى تعلِّق على/ أو تتأمَّل فى أشكال ولغة الروايات السابقة». وليس بعيداً عن ذلك، كانت باتريشيا واو (Patricia Waugh)، الأستاذة فى (جامعة دورهام)، ومنذ عام 1984، تعمل على بناء فصول كتابها (ما وراء التخييل القصصى. . النظرية والتطبيق فى رواية الانعكاسية الذاتية)، وتجتهد لاستثمار مصطلح (Metafiction)، والبحث فى معالمه وتجلياته). وهى فقرة دون تحريف أو تبديل من صفحة 14 بـ”جماليات ما وراء القص”. 

ومن الصفحة ذاتها ينقل- كما نقول بالمسطرة- «كتابة رواية تلفت الانتباه بانتظام ووعى إلى كونها صناعة بشرية، وذلك لإثارة أسئلة عن العلاقة بين الرواية والحقيقة». وتذهب واو، بحسب قراءة فيكتوريا اورلوفسكى، وبحسب ما تقول واو نفسها، إلى أن «كتابات ما وراء القص المعاصر هى استجابة ومساهمة، فى الوقت نفسه، لمعنى أكثر تطرُّفاً، يقول: إن التاريخ أو الحقيقة هما افتراضيان، فلم يعُد هناك عالم من الحقائق الخارجية، بل سلسلة من التراكيب، وفنون الخداع، وهياكل غير دائمة، وأن التوظيف الصريح لتقنية ما وراء القص ينبع من استجواب الحداثة للوعى والحقيقة». ليعود بعدها إلى الصفحة السابقة «إلى جانب ذلك، وظفت باتريشيا واو العديد من النُّعوت المستخدمة لوصف ما وراء القص المعاصر كالوعى الذاتى، والاستبطان أو التأمُّل المتعمِّق، والانطواء، والنرجسية أو التمثيل الذاتى التلقائى، بل وتذهب بعيداً حين تدّعى أن المرء فى معاينته لما وراء القص يدرس ما الذى يعطى الرواية هويتها».

ومن صفحتى 50 و51 ينقل كل الفقرة التالية (وتقول آن جيفرسون بهذا الصدد: «إن المعضلة هى أن باتريشيا واو لا تستطيع أن تحتفظ بالأمرين معاً، وأن تعرض ما وراء القص بوصفه خاصيَّة متأصِّلة فى الرواية السَّردية واستجابة للرؤية الثقافية والاجتماعية المعاصرة». وتصف واو ما وراء القص بأنه: «كتابة روائية تلفت نظر القارئ منهجيا، وعن وعى ذاتى كامل لحالتها بوصفها صناعة بشرية، من أجل أن تطرح قضايا عن العلاقة بين الحقيقة والخيال، ويعمل ما وراء القص، كما اقترحت واو نفسها، كأولئك الذين يكشفون نظرية كتابة الرواية تطبيقيا بوساطة كتابة رواية»، وحدَّدت واو ثلاثة أنماط مما وراء القص المعاصر، هى: الأول: تدمير جون فاولز لدور السارد المحيط فى روايته (امرأة الضابط الفرنسى) ، (1969)، وهو نمط يزعج الاتفاق الخاص بالرواية.الثانى: يجرى داخل النمط الثانى، إذ وضعت واو السخرية والتهكُّم اللذين يحضران فى بعض الأعمال أو الصيغ الروائية، حيث كانت رواية جون فاولز (مانتيسا)، (1982) مثالاً للمحاكاة الساخرة فى ما وراء القص. الثالث: يختص بتلك الأعمال التى يكون ما وراء القص فيها أقل ظهوراً مثل رواية ريتشارد بروتيجان: (صيد سمك التراوت فى أميركا)، التى صدرت فى عام 1967. إن مثل هذه الروايات، تقول واو، تسعى إلى خلق «تراكيب لغوية بديلة أو أعمال قصصية مما يتضمن فقط أشكالاً قديمة، وذلك بحثِّ القارئ على الاعتماد على معرفته بالتقاليد الأدبية التراثية عند الاجتهاد لتكوين معنى للنص الجديد»، وبترجمة أخرى: «لقد حاولت كل هذه الأنماط خلق تراكيب لغوية بديلة أو حاولت أن تدلِّل، ضمناً، على الأشكال القديمة بوساطة تشجيع القارئ على أن ينسحب من الاتفاقيات الأدبية التقليدية».

من الواضح أن «رسول» سطى على أكثر من 500 كلمة فى مقالة جاءت فى 1100 كلمة، أى أن 45% من المقالة مأخوذ من «عرق» باحثة أخرى دون نسبه ودون أن يبذل مدعى البحث أى جهد فى الرجوع إلى المصادر الأجنبية والإطلاع عليها بنفسه وترجمتها بطريقته، لكن ما الداعى طالما أن هناك من تعب وبحث وترجم، وما المانع فى نظر الباحث السارق أن يسطو على جهد الآخرين، طالما أنهم فى نظره الحلقة الأضعف “باحثة، فلسطينىة/ الحيط المايل عند العرب، مقيمة بغزة، أنثى، تكتب بمجال لا يعرفه كثيرون من العرب؟!”. إذن أبو رحمة بلا سلطة رمزية فى نظر «رسول المعرفة الجديدة»، لكن أحمد خريس باحث ذو حيثية ونفوذ ويمكن أن يشهر به فيذكر اسمه ومرتين حين يقتبس منه، ناسيًا ذلك الرسول الوهمى أن البحث العلمى حماته هم الباحثون وليس أصحابه فقط، وهى مهمة قمت بها خلال إعدادى لأطروحة الماجستير.

الإصرار على السرقة
وبتتبع كتابات العراقى، قدر المستطاع، نكتشف أن كتاب «جماليات ما وراء القص» وكتابات أبو رحمة بشكل عام هدف رسول الدائم للنقل والاقتباس منه بطريقة غير علمية، ففى مقال بعنوان «ليندا هَتشْيون.. ما بعد الحكي»، نشرها بالجريدة الإماراتية ذاتها بتاريخ 26 ديسمبر الماضى، نسب لنفسه خمس فقرات من كتابات «ساكنة غزة».

من صفحة 13 نقل « إلاّ أن الأمر تطوَّر أكثر فى غضون أقل من خمس عشرة سنة تالية (1983)، وذلك عندما تصدت الباحثة الكندية ليندا هتشيون لتعريف ما وراء القص بأنه: «رواية عن الرواية، أى تلك الرواية التى تتضمَّن تعليقاً على سردها وهويتها اللغوية»، لكنها، وفى نهاية ثمانينيات القرن العشرين، عادت وصاغت مصطلح (ما وراء القص التأريخى = Historiographic Metafiction)، فى كتابها (شعرية ما بعد الحداثة.. التاريخ، النظرية، المتخيَّل) الذى صدر فى عام 1988، وكذلك فى كتابها اللاحق (سياسة ما بعد الحداثة) الذى صدر عام 1989» يزيد كاتب المقال من تضليل القارئ بتصوير نفسه متتبعًا للكتابات وبتواريخها!!

ومن صفحة 102، «تسخر لا يعنى أن تحطِّم الماضى، وفى الحقيقة فإن التهكُّم يعنى أن تحتفظ بالماضى مقدَّساً، وأن تحاكمه معاً، وهذه هى مفارقة ما بعد الحداثة». وتأخذنا هتشيون إلى فكرة التناصية الظاهرة فى ما وراء القص التأريخى، وترى أنها «تساعدنا بوصفها إحدى الإشارات النصية لهذا الإدراك ما بعد حداثي». ولهذا، ترى هتشيون أن تذكارات ما وراء القص التأريخى تعمل على التآلف ونزع الألفة عبر التراكيب السَّردية المألوفة جداً التى اسماها هايدن وايت النصوص التأريخية». ومن صفحتى 92 و93 }إن الفعل الكتابى فى روايات مثل (مائة عام من العزلة) لماركيز، و(طبل من الصفيح) لغراس، و(أطفال منتصف الليل) لرشدى، تمَّ من خلال «موضعة خطابات التاريخ والرواية معاً داخل شبكة ممتدة باستمرار حتى تحاكى أى فكرة من أصل فردى أو ظرف عارض بسيط. إنها «اشتغال كتابى عبْرَ كتابة أخرى، وتنصيصات أخرى للخبرة كما يقول إدوارد سعيد»{.

يعود فى موضع آخر ينقل من صفحة 92، }ومن هنا، تعتقد هتشيون بأن قصَّة ما وراء القص التأريخى «تعى ذاتياً المفارقة الشاملة، الفعل الكلى والجزئى المحتوم للتمثيل القصصي؛ فهى تجرِّد من معناها، وبشكل صريح، الأفكار المتلقاة عن عملية تمثيل ما هو فعلى فى القصَّة، سواء كان روائياً أم تاريخياً، وهى تتبع تحويل الأحداث إلى وقائع، مستغلة ومدمرة أعراف القصَّة القصصية، ومرجعية الكتابة التأريخية؛ فهى تتضمَّن ما يُفيد بأن التأريخ، مثل الرواية، ينشئ موضوعه، ، وأن الأحداث المسماة تصيرُ وقائع، وكلاهما يحتفظان ولا يحتفظان بوضعيتهما خارج اللغة. وهذه هى مفارقة ما بعد الحداثة؛ فمن المؤكَّد أن الماضى وُجدَ لكننا لا نعرفه اليوم إلا من خلال آثاره النصيَّة، وأشكاله التمثيلية غير المباشرة، والتى غالباً ما تكون معقَّدة فى الحاضر كالوثائق والسجلات، والصور الفوتوغرافية، والرسوم التشكيلية، والهندسة المعمارية، والأفلام، والأدب»{.

لا يساورنا شك أن «رسول» يتعمد إخفاء اسم أمانى أبو رحمة، فإن تحجج مثلاً فى إسقاط الاسم لأنه ينقل من مصدر مترجم، وهى حجة غير منطقية طالما لم يشر ولو لمرة واحدة للمترجم، فبماذا يتحجج حين أسقط اسمها من فقرة نقلها من مقالة لها نشرت بموقع «الروائي» بعنوان «التناص وما بعد الحداثة»، ناقلاً } وبدلاً من مفهوم التناصية (Intertextuality) الذى تعمل به النصوص ما وراء تأريخيه، تقترح هتشيون مصطلح (المنطق الداخلى = Interdiscursivity) كونه المصطلح الأكثر دقة «فى تحديد الصيغ الجمعية من أشكال الخطابات التى تنهل منها ما بعد الحداثة بسخرية الأدب، والفنون البصرية، والتاريخ، والسيرة الذاتية، والنظرية والفلسفية، والتحليل النَّفسى، وعلم الاجتماع». وفى ضوء ذلك ترى هتشيون بأن ما وراء القص التأريخى إنما «يعود مثله مثل رواية اللا- رواية، إلى التاريخ تماماً كما إلى الأدب». وتعتقد هتشيون، فضلاً عن ذلك، «ليس الأدب أو التأريخ هو الذى يشكِّل خطابات ما بعد الحداثة فحسب؛ بل كل شيء ابتداءً من الكتب الكوميدية، والحكايات الشعبية، إلى التقاويم والصحف اليومية، يزود ما وراء القص التـأريخى بالتناصات الدلالية ثقافياً»{. 

الإصرار على النقل من كتابات أبو رحمة وعدم نسب الجهد لها، جريمة مكتملة الأركان، ومدبرة ومقصودة، يصدر فيها «رسول» صورة المطلع على أحدث الكتابات الغربية وبلغتها، وإن كنّا لا نعرف مدى تمكنه من اللغة الإنجليزية، وهل على دراية جيدة بها أم لا؟ ومناقشتنا لهذه الجريمة لا نبغى من ورائها سوى أن ننسب العلم لأصحابه، والبحث لأهله، ولنؤكد أن من بيننا –جماعة الباحثين والنقاد- من يشار إليه بالرسول وهو فى الأصل «مدعى نبوة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى