ليس بالفن وكرة القدم تُبنى الأمجاد!.
لو قام مجموعة من الباحثين بعمل دراسة عن طموح أطفال مصر وأحلامهم المستقبلية لتأكدوا أن غالبيتهم سواء كانوا فقراء أو أغنياء، يتمنون أن يصبحوا إما لاعبى كرة قدم وإما فنانين، مطربين كانوا أو ممثلين!!.. وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على قناعة هؤلاء الأطفال رغم صغر سنهم بأن لاعبى الكرة والفنانين هم أكثر أفراد الشعب تمتعاً بالمال والممتلكات والشهرة، فضلاً عن احتضان الدولة والحكومة لهم وتقديرهم والاحتفاء بهم فى الداخل والخارج على حد سواء!.. وهذا بخلاف باقى المهن الأخرى التى يعانى أصحابها فى ظل الظروف السيئة التى نحياها من الفقر والمرض والمرتبات المهينة والاضطهاد والظلم، وعدم تكافؤ الفرص وغيرها من الأمور المؤرقة، بل المهلكة فى كثير من الأحيان!، لأن- وكما هو معروف- هناك من يريد لمصر ولشعبها أن يبقوا طويلا فى ذيل الأمم بلا نهضة أو تقدم فى أى مجال حتى يسهل اختراقنا وإذلالنا وتركيعنا، وبالتالى احتلالنا والسيطرة على كل مقدرات البلد لنهبها دون قدرة منا على المقاومة والصد!، وهذا لا يتأتى إلا بالغزو الفكرى والثقافى عن طريق تخدير وتجريف عقول أطفال وشباب مصر وإلهائهم المتعمد بتوافه الأمور، وفرض بعض العادات والثقافات التى لا تتناسب وطبيعتهم كشرقيين وعرب!..
أخشى فيما أخشاه أن يأتى على مصر وقت يصبح فيه معظم الشعب لاعبين وفنانين وعاطلين مشجعين ومعجبين فقط، ويكون لدينا فقر ونقص فى أصحاب الحرف والمهن الأخرى، مما يدفعنا إلى استيرادهم من الخارج بمبالغ باهظة تهدد وتبدد اقتصادنا، وذلك رغم كثرة عددنا وتمتعنا بذكاء ووعى وحب فطرى لبلدنا الذى أراه فى أمس الحاجة إلى إدارة حكيمة قوية لديها رؤية ثاقبة وقدرة على استثمار كل ما أنعم الله به على مصر والمصريين خير استثمار.
للأسف الشديد عمل النظام السابق بكل ما أوتى من قوة على إعلاء شأن الفن وكرة القدم ووضعهما فى صدارة اهتماماته، وبالتالى اهتمامات الغالبية التى اتخذت منهما الملجأ والملاذ للخروج والهروب من قسوة ما يعانون من أعباء معيشية، الأمر الذى تسبب فى جعل معظم أطفال وشباب المحروسة يحلمون ويتطلعون إلى أن يصبحوا فنانين أو لاعبى كرة قدم!، خاصة أنهم ومنذ سنوات طوال يصبحون ويمسون على مشاهدة العديد من القنوات المتخصصة فقط فى عرض الغناء والأفلام والمسلسلات، إلى جانب ولعهم بمتابعة وحضور مباريات كرة القدم ومشاهدة القنوات الرياضية المتخصصة فى شحن وتعبئة المشاهدين ليل نهار!.
ماذا نتوقع إذن من أطفالنا عندما يسمعون عن المبالغ الخرافية التى يحصل عليها كل من الفنانين ولاعبى الكرة رغم حداثة سنهم.. كأن يسمعون مثلاً أن واحدة ممن تغنى وهى تُظهِر من جسدها أكثر مما تُبطِن تتقاضى نصف مليون جنيه عندما تغنى ساعة واحدة فى إحدى الحفلات!!.. أو يعلمون مثلاً أن أن اللاعب الفولانى حصل على عدة ملايين مقابل احترافه فى دولة أخرى!!..
المثير للدهشة والألم فى الوقت نفسه أن هناك كثير من الأسر تشجع وترسخ هذا الطموح داخل أطفالهم بل وتساعدهم وتجتهد فى تأهيلهم لذلك عن طريق حثهم على متابعة أحد الفنانين أو لاعبى الكرة وتقليده واتخاذه مثلاً وقدوة لعله يصبح مثله يوماً ما!.
ولذلك يجب أن تتكاتف كل قوى المجتمع ومؤسساتها العامة والخاصة لتغيير هذه الأفكار المسمومة ، فليس بالفن وكرة القدم تُبنى الأمجاد وتتقدم الأمم، على أولى الأمر فى المرحلة المقبلة أن يحاولوا تطهير عقول المصريين وتوعيتهم بالأولويات والدعائم والركائز التى بها تتحقق النهضة، فضلاً عن عمل حملات توعية للأطفال وأسرهم أينما وُجِدوا سواء فى المدارس أو النوادى والمكتبات وفى جميع وسائل الإعلام بطريقة شيّقة وجذابة لترغيبهم فى كل المهن وإعلامهم بأهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع، إضافة إلى ضرورة منحهم جرعات مكثفة من التفاؤل والأمل فى غد أفضل لن يصنعه لمصر أحدٌ سواهم.