باحث لبناني لـ«امل مصر»: أحذر من «العربيزية»..ومصر أم الشعارات!
قال الدكتور نادر سراج صاحب كتاب “مصر الثورة وشعارات شبابها: دراسة لسانية في عفوية التعبير” الصادر عن صدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنه ينتمي للمدرسة اللسانية الوظيفية، فهو مدرس للسانيات في جامعة لبنانية ويدرس هذه المواد يحاضر بها.
وتابع في تصريحات خاصة لـ”محيط” حزت جائزة أفضل كتاب عربي لعام ٢٠١٣ عن كتابي “الشباب ولغة العصر” من مؤسسة الفكر العربي، وكنت اول لبناني ينال الجائزة.
أما لماذا يكتب لبناني عن شعارات “مصر الثورة”، يوضح سراج أنه مهتم بالمنظومة اللغوية للشباب العربي، لذلك درس لغة الشباب دراسة جيدة من خمس سنوات وحاول أن ينفذ إلى عمق مزاج الشباب اللبناني كما يقول، ليعرف كيف ولماذا ومتى يتم استخدام هذا المزيج اللغوي الجديد.
يواصل: اسمي لغة الشباب تلك “اللهجة البيضاء” أي التي لا تنحاز لأي فئة سياسية أومنطقة جغرافية وهي لغة تننتشر في المدن العربية، ومنها القاهرة وبيروت.
يتابع: درست أماكن تجمع الشباب فذهبت إلى النواصي وزوايا الشوارع والمولات أي “المراكز التجارية” التي تنتج هذه اللغة الجديدة، فهي مراكز استقطاب وتسليع لكل شئ بما فيها اللغة، وليس فقط منتجات الغذاء، والأزياء، بل باتت اللغة أيضاً سلعة، وكان اهتمامي بالمسار الذي انتهجه الشباب في تطويع اللغة “العربيزية” أي المزيج بين العربية والإنجليزية، وأعني بها الكتابة بالأحرف اللاتينية ظناً منهم أن هذا أسهل، وهو “دلع” تحول إلى “ولع” بهذا النسق الكتابي الجديد الذي بدأ بالتسلية ليتخذ مساراً أكثر جدية.
ويقرع الكاتب جرس إنذار قائلاً أن هذه اللغة باتت تتسرب إلى التلفاز وأسماء المقاهي وبعض زوايا الصحف، وانتقلت هذه اللغة إلى شعارات الثورات العربية، فالشباب هم منتجو هذه الشعارات في الميادين العربية، أما لماذا درست شعارات الثورة المصرية بالتحديد؛ ذلك لأن الجماعة المصرية حين تهتف أو تتندر أو ترسم جرافيتي تنهل من مخزونها الثقافي، فهناك عقل مصري ناقد وساخر وجاهز لتوليد مئات الشعارات.
وأوضح نادر سراج على هامش مشاركته في مناقشة الكتاب ببيت السناري مساء أمس، أن الكتاب حدد 1700 شعار تم الوصول إليهم بسهولة نظراً لتعدد وسائل الحصول عليها، إما عن طريق وسائل الإعلام، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو الناشطين، فكل شئ في مصر كان مكشوفاً، حتى الصراع والتظاهر والمواجهة كانت في فضاء مفتوح وهو ميدان التحرير، فالمواجهات لم تتم في أقبية أو أنفاق أو صالونات.
سبب آخر للدراسة هو أن اللهجة المصرية مطواعة تعبر عن غلاء الأسعار وتتحدث عن العيش واللحم والطماطم، والكنتاكي وغيرها من الأشياء.
وحلل الباحث كما يوضح ما لجأت إليه الشعارات مثل الرموز الدينية، ومفهوم الأمن والأمان، كليلة ودمنة”، وذلك عبر فريق مصري – لبناني ساعده في الوصول للشعارات المصرية.
الشعار المصري حقيقي وصادق
أكد سراج أن الشعار المصري حقيقي ومباشر، ويعكس الرؤية الحقيقية للمجتمع، قائلاً: “كنا نعرف مصر أم الدنيا..والآن هي أم الشعارات العربية”!، ليختتم كلماته قائلاً: الكتاب رسال حب من لبنان إلى مصر.
من جانبه قال مدير المعهد الألماني للدراسات العربية في بيروت ستيفن ليدر في تصريحات لـ”محيط” ؛ أن المعهد الالماني يدعم مشروعات في مجالات عدة، والكتاب مشروع يعالج الشعارات العربية خلال حركة الثورة، مشيراً إلى أن الكتاب لا يركز فقط على الجانب السياسي بل الثقافي ايضاً، لمعرفة من أين جاءت هذه الشعارات وأدبياتها، وعبر هذا اكتشفنا أن كثيرمنها ظهر من داخل الذاكرة الشعبية الثقافية، وهو ما يميز القدرة المصرية وهو ارتباطها بالذاكرة الشعبية، وهو ما يساهم الكتاب في فهمها، حتى بعيدا عن لحظة الثورة.
يواصل: العالم اندهش من هذه السخرية الثقافية في مصر، وهي بالمناسبة جذابة جداً.
وقال الكاتب اللبناني نادر كتاب في كلمته ببيت السناري، أن الشعار السياسي في مصر ساهم بشكل أو بآخر في تأجيج الاحتجاجات، ومن ثم تحول إلى فعل سياسي.
وأشار إلى أن الشعار السياسي لفت انتباهه لطرافته ومباشرته وحب السخرية التي يحملها، وهو غير موجود في الدول الاخرى.
وأضاف: نشأت في المناخ الثقافي المصري، فقرأت مجلة “سندباد”، ووالدي كان يقرأ “المصور”، وأمي تقرأ “حواء”، كان من الطبيعي أن تلفت الشعارات الطريفة للثورة نظري، فقد أصبحنا في عصر أصبح فيه دراسة اللغة في وجهها المنطوق أهم من وجهها المكتوب.
وقال أن دراسة شعارات الثورة في مصر كان يسبقها، دراسة خطاب المصالح أو الرشوة، ثم درس عام ٢٠١٢ “لغة الشباب”، وقد رأينا كيف يحتج الشباب وهم يحاولون كشف الفساد السياسي، ودرست ١٧٠٠ شعار سياسي مصري جرئ يتصل مباشرة بالفرد المصري، ويعكس آلامه، بشكل ليس فوقياً، بل صنيعة الشعب.
وأوضح أنه اكتفى بدراسة الشعار المصري لأنه خزان معرفي هائل، قائلاً أنه لجأ أحيانا للبيئات العربية المنتفضة الأخرى، وعقد مقارانات بين “ارحل” المصرية والتونسية والسورية واليمنية، وغيرها، ووجدت أن نفس الشعار كان يستخدم من قبل الإخوان والثوار والسلفيين مع بعض التغيير بما يناسب كل فئة.
وأشار الباحث إلى أن ١٤٪ فقط من الشعارات المصرية كان لها بعد قومي، وجدنا انحسار غير مقصود للشعارات القومية، لأن الهم الذي كان يشغل الجموع هو إزاحة الحالة السياسية الموجودة.
كتاب رصين يؤرخ للثورة
من جانبه قال الباحث والكاتب د. عمار علي حسن، أنه احتفى بالكتاب ليس فقط احتفاء المصري أو الثوري، بل احتفاء الباحث العلمي الذي وجد كتابا رصينا آثار بداخله عدة أفكار.
منها أن الكتاب يعد تأريخاً للثورة، بشكل شعبي، فالتاريخ الذي يصلنا عادة هو التاريخ الذي يكتبه السلاطين والحكام، لكن عادة الناس كانت تقاوم بالتاريخ الشعبي، فعلى الرغم من احتفاء التاريخ الرسمي بقطز، احتفى الموروث الشعبي بالظاهر بيبرس، والكتاب يسجل لنا ويؤرخ شعارات الثورة سواء في تعبيراتها اللفظية ـو الرمزية باعتبار ذلك نوعا من انواع اللغة.
كذلك ينفي الكتاب الطرح القائل بأن الغرب هو من أعد للثورة، وأنها صنعت في معامله، لكنه عتب على الكاتب أنه تواصل مع بعض النشطاء الذين مجدهم الغرب باعتبارهم هم صناع الثورة وأهمل البقية.
وأوضح عمار أن الشعارات خرجت تعبر عن المصريين وتشبههم في خفة الظل، والتحايل والإيمان بالقدرة على التغيير، وهو ما يحدث عادة أوقات الأزمات، مؤكداً أن ما جرى في الميدان صناعة مصرية خالصة استفادت من مواقع التواصل، فالثورة تشبه المصريين وبوسعنا أن نرد بمثل هذا الكتاب على من يقدحوا في الثورة باعتبارها صنعت في مصانع الأمريكان.
في كلمته، رحب السفير اللبناني خالد زيادة بصاحب الكتاب، قائلاً أننا إزاء حدث مهم، وهو أن باحث من لبنان استطاع أن يتعقب ما يجري في القاهرة ويصدر عنه كتاباً مهماً، وهي ظاهرة إيجابية على حد وصفه، تثري الثقافة العربية.
من الكتاب..
يذكر أن الكتاب في فصله الأول يتناول اللغة الشعاراتية التي لا تختلف وظائفها عن وظائف اللغة عمومًا كونها استجابية ومعرفية وتواصلية وتعبيرية وتمثيلية واجتماعية.
فيما تناول الفصل الثاني منتجي هذه الشعارات والهتافات ومروجيها: مواطنين ونشطاء ومناضلين. أما الفصل الثالث، فقد تناول وظيفية الشعار التجميعية الحاثّة على المشاركة في الفعل السياسي، إضافة إلى وظيفة التنبيه أو التحريض التي استعمل لأجلها الشعار. وفي الفصل الرابع، تناولت الدراسة إصرار الثوّار على توضيح مواقفهم ولو عنى ذلك استعمال لغة أجنبية، أو لغة لاذعة حيث أن المطلوب هو إيصال الرسالة بوضوح ويسر ومباشرة. ويتناول الفصل الخامس موضوع الضمائر المستعملة في الشعارات حيث احتل ضمير المتكلم المرتبة الأولى فيما حل ضمير الغائب ثانيا، ليحل ضمير المخاطَب ثالثا، الأمر الذي يدل على رغبة مطلقي هذه الشعارات في إيصال رسالة سياسية بلغة مباشرة.
في القسم الثاني الذي تناول بلاغة الواقع، تمحور الفصل السادس حول الجملة الخبرية والجملة الإنشائية في خدمة الشعارات، مستعرضا وجهتي نظر العالمين الكبيرين كلود حجاج وأندريه مارتينه، بينما تناول الفصل السابع التناص بين الشعار والفنون المرئية، فأعادت الدراسة الكثير من الشعارات إلى النصوص التي أخذت منها سواء أكانت مسرحيات أو أفلاما أو أغاني.
أما الفصل الثامن فتم تخصيصه لدراسة شعار “ارحل” بوصفه أنموذجا لخطاب الاعتراض.
تناول الفصل التاسع من القسم الثالث المخصص للدراسة السيميائية للشعارات، رموز التلاقي بين الأديان والجماعات ومن بينها الصليب والهلال الذين ارتسما على الخدود والجباه بألوان العلم المصري مؤكدين على الحضور القوي للدين في الخطابين السياسي الاحتجاجي والاجتماعي المطلبي.
في الفصل العاشر، تلاحظ الدراسة أن الحصيلة اللغوية لهذا الحراك الشاب قد حفلت بنماذج حيوانات أليفة تم استحضارها، وخصوصا بعد ما اصطلح على تسميته بموقعة الجمل فحضرت الجمال والبعير والكلاب كما النسر الذهبيّ.
وفي الفصل الحادي عشر المعنون “بسيميائية المأكل” وكلماته في الشعار السياسي تم الحديث عن حضور أصناف الطعام المختلفة في الشعارات الثورية التي رفعت، إذ كان شعار “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” واحدا من أشهر الشعارات التي رفعت خلال الثورة.
وفي ذات الإطار السيميائي، حضرت أسماء وسائل النقل ورمزيتها السياسية، وذاك موضوع الفصل الثاني عشر؛ فحضرت الطائرة وتذكير مبارك بها وهو الذي كان طيارا.
وسعى الفصل الثالث عشر إلى تحليل ثقافة الملبس، فلاحظ أنّ الاستعارات السياسية المستمدة من عالم الملبوسات لم تنشأ من فراغ تعبيري، فأطراف الصراع السياسي على اطلاع كافٍ عليها وعلى مدلولاتها والتداعيات التي تعكسها دلالاتها السيميائية في أذهان مستخدميها.