مالك بن نبى : احذر عجلة الثورة تعود للوراء ..والأبطال يتساقطون
” قد يحدث في أكثر من بلد إسلامي أن تجد البلاد نفسها بعد الثورة ، في الوضع السابق على الثورة ، بل ربما أكثر خطورة ، بل إنها قد تجد نفسها من جديد ، في ظل ايدولوجيا يسقط من أجلها الأبطال ، ولا يتعرفون على الأفكار التي من أجلها سقطوا ، كما لو كانت عجلة الثورة ، وأفكارها تدور أثناء الثورة نحو الوراء .
و الغريب أنه عندما يبدأ الناس فى إدراك ما يحدث ، بعد أن تكون الثورة قد انتهت ، يعتقد حكماء أن هذه الأوضاع ستصفى و تنطفى تلقائيا ، قائلين بأنه يجب أن نتركها للزمن يعيدها لمسارها ! ” .
ما أصدق من هذه الكلمات لوصف ما آل إليه حال ثورات ” الربيع العربى ” ، هذا الوصف الدقيق الذى قدمه المفكر الجزائرى الكبير ” مالك بن نبى ” أحد رُوّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين ، فى تحليله عن الثورات .
و أوضح المفكر أن المجتمع عندما يتجاوز درجة التحمل ، فالثورة هى ” المفجر ” الأكثر دلالة فى وضع النار على البارود ، لتحرك عجلة المجتمع نحو قدره ، و إن مجموعة من المظالم الإجتماعية تستطيع تخزين طاقة ثورية هائلة ، و لكل هل دفع تلك القوى هو كل شئ ؟
شبه ثورة
أكد المفكر الجزائرى إن تاريخ الثورات فى العالم يظهر كم أن مصيرها ” هش ” ،و غير مؤكد بعد انطلاقها .
و تابع قائلا أن التطور الثورى منذ يومه الأول قد يولد على شكل ” ثورة مضادة ” مقنعة أطلقت فى الوقت المناسب ، لتسبق إلى احتلال مراكز استراتيجية ، قبل أن تحتلها ثورة أخرى أصيلة .
كما يمكن أن ينشأ أيضا فى ظل ثورة أصيلة تفسح المجال شيئا فشيئا لثورة ” مضادة “، تستخدم اسمها ،وصفاتها المنظورة ، ووسائلها لـ ” تقتلها ” ، و تحل محلها ، محافظة على المظاهر التى تصبح الستار ، الذى خلفه يستمر قلب مسار الأطراد فى مرحلة ما بعد الثورة .
و قال مالك أن الثورة حين تخشى أخطاءها ليست بثورة ، و إذا اكتشفت خطأ من أخطائها ولم تعره اهتمام ، فالأمر أدهى و أمرّ .
و أشار أنه ينبغي على الثورة لتفادي الإبهام، أن ترسم خطاً واضحاً حول موضوع التغيير حتى لا يبقى مجال للخلط ، أما إذا أسلمت الأمور إلى الغموض والضباب، فإن أي انحراف سيكون متوقعا، وسوف تظل الثورة معرضة لأن تترك مكانها ـ دون أن تعلم ـ لشبه ثورة ، تستبدل بالكيف الكم، وبالتغيير الجذري الضروري شبه التغيير.
أسطورة المنقذ
قال الفيلسوف مالك أن عقائدنا السياسية تدين لقيم مفسدة للحضارة ، و هى التى تتمثل فى أسطورة ” الشئ الوحيد ” و ” الرجل الوحيد ” الذى ينقذنا .
و أشار أن شخص ” الزعيم ” قد يستخدم لتحريف الطاقات الثورية بالعمل على سياسة ” التفتيت ” ، لكى يغتصب سلطة الثورة ، و يستخدمها ضدها ، و يخرج مشروع ” ثورة مضادة ” إلى المسرح فى ثوب ثورة ، و أن خير حليف لأساتذة الصراع الفكرى ، و لمجهضى الثورة ” الظلام ” .
و أن ” الرئيس ” بذلك يساق إلى تدميره الذاتى ، عبر آلية يظن أنه يمسك بزمامها ، و هى فى الواقع تمسك بزمامه ، و أن هذا التدمير الذاتى للرئيس يحدث بسقوطه سياسيا بشكل تدريجى .
الثورة تنتقم
“الأفكار التي تتعرض للخيانة تنتقم لنفسها ” هكذا أكد مالك بن نبى ، قائلا أن كوارث التاريخ فى مختلف الأزمان ليست سوى نتيجة تكاد تكون فورية لانتقام الأفكار التى خانها أصحابها.
وأن التاريخ يقرر أن الشعب الذى لم يقم برسالته ، ما عليه إلا أن يخضع ويذل .
و أن التفرق و التمزق يحيل الثورة إلى لا ” لا ثورة ” ، بل أصبحت أحيانا ضد الثورة ، من أجل ذلك اعتبر مالك بن نبي الثورة التي لا تُكْمِل إنجاز مهماتها، وتخاف إصلاح أخطائها قد “انتحرت”.
غير نفسك .. تغير التاريخ
” وإنها لشرعة السماء : غير نفسك .. تغير التاريخ ” ، قالها مالك مؤكدا “لقد غاب عن الأذهان أن الحق ملازم للواجب ، وأن الشعب هو الذي يخلق ميثاقه ونظامه الإجتماعي والسياسي الجديد عندما يغير ما في نفسه ” .
كما أشار أن في العالم أكداساً من الكراهية والحقد لابد من تصفيتها .
أما للمنادين بالاستقرار و أعداء التغيير ، قال عنهم مالك كل : جماعة لا تتطور، ولا يعتريها تغيير في حدود الزمن، تخرج بذلك من التحديد الجدلي لكلمة ” مجتمع ” .
إن الثورة عند مالك بن نبي ليست تحقيق العدالة الاجتماعية فقط ، ولكنها هي العمل على استعادة الشعب شخصيته وكرامته ، مؤكدا إن الحقوق تؤخذ ولا تعطى!
و استشهد مالك بحوار دار بين “كنفوشيوس” وأحد أتباعه ويدعي ” تسي كوخ” الذي كان يسأل أستاذه عن السلطة. أجاب ( ديوارنت ) قائلاً: على السياسة أن تؤمِّن ثلاثة أشياء: لقمة العيش الكافية لكل فرد. القدر الكافي من التجهيزات العسكرية. القدر الكافي من ثقة الناس بحكامهم. سأل ( تسي كوخ ) : وإذا كان لا بد من الاستغناء عن أحد هذه الأشياء الثلاثة فبأيها نضحّي؟ وأجاب الفيلسوف: بالتجهيزات العسكرية. سأل ( تسي كونغ ) : ” وإذا كان لا بد أن نستغني عن أحد الشيئين الباقيين فبأيها نضحي؟”. أجاب الفيلسوف: ” في هذه الحالة نستغني عن القوت، لأن الموت كان دائماً هو مصير الناس، ولكنهم إذا فقدوا الثقة لم يبق ايُّ أساس للدولة” .