تقارير وتحقيقات

أطفال الشوارع يتآكلون على أرصفة المحروسة

مشردون على أرصفة خاوية إلا من طرقعات أقدام لعابر مر هنا أو هناك، منسيون إلا من همهمات ألسنة أشفقت حينا على حالهم وزجرت اتساخ ملابسهم وسؤالهم وعوزهم وإجرامهم أحيانا أخرى، جائعون إلا من لقمة تسابقوا للفوز بها بين أكوام القمامة ومطاعم الكبار التي تتصدق ببواقي فتات الزبائن على أمثالهم، ملتحفون العراء في شتاء برده قارس لا يرحم.

على سلالم المترو

عند مدخل محطة مترو سعد زغلول يصادفك طفل صغير لا يبلغ من العمر سوى عشرة أعوام نائما على رصيف أحد السلالم المؤدية إلى بوابات القطار، غارقا في ملكوت الرحمن، عاريا من ملابسه إلا قطعة صغيرة سترت عورته، بجواره قطعة من الجبن ونصف رغيف، قد يكون أحد المارة أعطاه إياه، يمر أمامه الناظرون يرمقونه بنظرة شفقة ويستكملون سيرهم.

المشهد يُدمي القلب ويدعو للرثاء ويطرح السؤال الأهم، أين الأهل ووزارة التضامن الاجتماعي والمجلس الأعلى للطفولة؟! قد تكون الأم على بعد خطوات.

استقطاب الأطفال

مؤخرا ألقت قوات الأمن في بنها القبض على تشكيل عصابي تخصص في استقطاب الأطفال لإجبارهم على التسول بعد الاعتداء عليهم، أمن القليوبية وجد بداخل الوكر 4 أطفال قدموا اعترافات كاملة عن كيفية اختطافهم وتدريبهم.

وكشف الأطفال عن زعيم العصابة الذي يقطن بمنطقة إمبابة وهو مسجل خطر، واتخذوا من شقته في بنها مسكناً لهم، يجمعون بها الأطفال الذين تاهوا عن ذويهم ويعلمونهم أصول مهنة التسول، النيابة أحالت الأطفال إلى دور الرعاية وأمرت بحبس أفراد العصابة.

وعند مدخل مترو البحوث يدهشك منظر رهيب، لطفلة صغيرة لا تتجاوز الخمس سنوات، تجلس على الرصيف متكئة على حائط وفى يديها قلم وكتيب وكراسة يبدو أنها تراجع دروسها وقد افترشت الأرض ببعض المناديل كانت تقوم ببيعها.

وتبدو الكارثة أعمق بالنظر إلى فتيات صغيرات السن يتعرضن للاعتداءات المتناوبة من مشردين آخرين على رصيف موازي أو بلطجية يملئون شوارع المحروسة فتحملن ويلدن ليضيع الحاضر والمستقبل.

الجراجات مأوى

وعند مطلع كوبر أكتوبر من ميدان التحرير يصادفك ثلاث صغيرات أعمارهن لا تتجاوز السبع سنوات يسابقن السيارات ويتحركن كـ”الثعابين” لبيع المناديل الورقية لقائدي السيارات، وقد وضعت إحداهن واقيا للأذنين من البرد الشديد، علمنا أنهن يبتن في إحدى جراجات السيارات أو تحت الكباري، وبداخل المواصلات العامة.

أما “أحمد مجدي” الذي يبلغ من العمر أحد عشر عاما، يتلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة “عنتر” بالخصوص التابعة لمنطقة المرج، وقد توفى والده إثر أزمة قلبية مفاجأة، ووالدته هي من تعوله هي وشقيقه الأكبر منه سناوالذييبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما.

يبدأ رحلته في الشارع بعد انتهاء دراسته الصباحية، حيث يبيع المناديل.. “أحمد” حكى لنا عن بداية يومه قائلا:عندما انتهى من دراستي أذهب إلى والدتي لتعطيني 5 جنيهات لشراء المناديل ثم أتجول بها بين مقاهي وسط البلد، حتى أنتهي من في الثانية عشر صباحا وقبل إغلاق بوابات المترو.

عند وصوله إلى بيته بمنطقة الخصوص يجلس أحمد على الأرض حاملاً في يده كتابا مدرسيا استعدادا للمذاكرة وأداء الواجب المدرسي، وأحيانا تقوم والدته بمساعدته في قراءة دروسه.

أحمد يحاول أن يمارس دور الأب الذي فقده صغيرا بسبب المرض فيعول هو وشقيقه الأكبر منه سنا والدته من أرباح بيع المناديل، أما عن حلمه فهو يتمني أن يتخرج من كلية الشرطة.

محمد شوقي، طالب بالصف الثاني الابتدائي، يتجول وسط مقاهي وسط البلد، بأكياس “الطوفى” ويقول إن ظروفه الأُسرية هي التي أجبرته على النزول للشارع وهو لم يتجاوز الإثني عشر عاما، وأكبر أحلام محمد هو أن يتخرج في كلية الطب ليصبح طبيبا مشهورا .

مليوني طفل

هناك اختلاف على تعريف أطفال الشوارع، فبينما يرىالبعض أن طفل الشارع هو الذي يعيش بصورة دائمة في الشارع بلا روابط أسرية أو أسرية ضعيفة، يذهب آخرون لضم كل الأطفال العاملين بالشارع لتلك الفئة، وهذا الاختلاف في المسمى يؤدي أيضا إلى تباين كبير في تقدير الأعداد.

وعلى الرغم من عدم وجود رقم إحصائي محدد لعدد أطفال الشوارع في مصر، فقد قدرت دراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عددهم بنحو مليوني طفل.

في وقت يقدر فيه المجلس القومي للأمومة والطفولة العدد بعشرات الآلاف، حيث تقوم عدد من الجمعيات الأهلية على تقليل آلام أطفال الشوارع، منهم جمعية رسالة الخيرية التي تقدم مشروع ‘’قد الحياة’‘، والذي يقدم الدعم لهؤلاء الأطفال.

بعض هؤلاء الأطفال يتم استخدامهم في جمع المحاصيل ونقلهم بالسيارات التي تهدد حياتهم،وقيادة التوك توك وفى ورش ميكانيكا السيارات، حيث يسيء بعض أصحابها معاملتهم فيضربونهم ويسبونهم بألفاظ نابية، ويصل الأمر إلى الاعتداء عليهم بآلات حادة.

وعلى الرغم من أن دستور 2014 جاء لوضع ضوابط لحماية هؤلاء وتعليمهم وتدبير مسكن لهم وغذاء وحياة كريمة لهم، إلا أن أطفال الشوارع مازالوا عرضة لاستخدامهم في التسول والأغراض المشبوهة.

رأي وزارة التضامن

فيما أعلنت الدكتورة نسرين البغدادي مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن أن نتائج المسح التي أجرها المركز لإحصاء عدد أطفال الشوارع على مستوى الجمهورية كشف عن وجود 16019 طفلًا متمركزين بلا مأوى في ما يزيد عن 2500 منطقة على مستوى المحافظات المختلفة.

وأوضحت مديرة المركز أن وزارة التضامن تنفذ برنامج متكاملا لرعاية الأطفال بالتنسيق مع شركاء التنمية في هذا المجال مدته سنتان تبدأ من يناير 2015 ويتضمن عددا من المحاور منها تصميم عدة محاور من وقاية وحماية وتأهيل ودمج حيث يتم تحديد الخدمات في المنطقة المستهدفة والجاذبة والطاردة للظاهرة .

من جانبها، قالت غادة والي وزير التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن نتائج حصر أطفال الشوارع جاء للتعرف على حجم الحقيقي للظاهرة بعيدًا عن التقديرات التي ليس لها أساس علمي للوصول لمعالجة المشكلة.

وأضافت والي في كلمتها من خلال مؤتمر «أطفال بلا مأوي»، أن الحصر غطى عددًا من الخصائص الديموجرافية الخاصة بأطفال الشارع المصري من حيث العمر والنوع والحالة الصحية والتعليمية وأسباب ترك المدرسة بإضافة إلى عدد من المتغيرات الأخرى مثل معدلات الهجرة الداخلية بين المحافظات الطاردة، وتلك الجاذبة لهؤلاء الأطفال ومدة بقائهم في الشارع والأسباب التي دفعتهم إلى الاتجاه للشارع وطبيعة عملهم.

وأشارت إلى أن الحكومة المصرية والوزارة، ليست لها القدرة على مواجهة ظاهرة أطفال الشوارع بمفردها، مؤكدة على ضرورة التكاتف من قبل المجتمع المدني ووزارة التعليم والصحة ووزارة الرياضة والشباب بالإضافة إلى وزارة العدل لعمل حزمة من التشريعات.

وأوضحت والي،أن أول ما واجهته الوزارة عند إعداد حصر أطفال بلا مأوي، كانت مشكلة التعريف بمفهوم أطفال الشوارع، لذلك تم الاستعانة بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية لوضع التعريف وتحليل الظاهرة.

وأشارت إلى أنه تم ملاحظة أن كل الأطفال يحتاجون إلي رعاية كاملة، مشددة على أن كل بلاد العالم تعاني من ظاهرة أطفال الشوارع لذلك يجب أن يتم دراسة كيف يمكن مساعدة هؤلاء الأطفال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى