صراع سياسي علي جيل مراهق

صراع سياسي علي جيل مراهق تتراكم الأحداث خلال الشهور الأخيرة مؤكدة احتدام الصراع الاجتماعى والسياسى بين المشروع السلفى البدوى والمشروع المدنى على الفوز بكتلة مراهقى مصر الذين يمثلون مستقبل هذا البلد. خلال الثمانية عشر يوماً للثورة فى الميدان وما تلاها، صُدم التيار الإسلامى بالتفاف قطاعات واسعة من صغار الشباب فى سن المراهقة حول التحركات الثورية للتيار المدنى، خاصة فى المدن. يحكى مهندس من شباب الثورة باكياً كيف أنقذه واحد من هؤلاء «البلطجية» الصغار من رصاص الأمن معنفاً إياه: «مش قلت لك تخليك ورايا.. إحنا مالناش لازمة، إنما انتوا اللى هتبنوا البلد». يشترك «النظام» – السابق والحالى – مع بعض أنصار التيار الإسلامى فى كراهية «المراهقين» المتمردين، يجمعهم نوع من «تصلب شرايين المخ» يجعلهم يتجاهلون كل مفاهيم التربية؛ الإسلامية والحديثة، التى تنصح «الكبار» بالصبر على الصغار وتحمل تمردهم وتجاوزاتهم إلى حين، والاكتفاء بالتوجيه المحب العطوف الهادئ. يصرون على قمع الصغار وتحويلهم قسراً إلى كبار «راشدين» يطيعون الأوامر دون تفكير. بداية من واقعة إقدام مدرِّسة منتقبة على عقاب صغيرتين بقص شعرهما عقاباً لهما على عدم ارتداء الحجاب، وانتهاءً بفتاوى بعض مشايخ السلفية بخفض سن الزواج للصغيرات بمجرد بلوغهن، نحن أمام نزعة كارهة لمرحلة المراهقة ودعوة لبترها من مراحل النمو الطبيعى التى أرادها الله للبشر. يفسر ذلك قسوة المعلمة تجاه التلميذتين؛ إذ لم تكتفِ بقص شعرهما، وإنما قامت بتذنيبهما برفع كلتى يديهما ووجهيهما متجهين نحو السبورة ذهاباً وإياباً طوال فترة الحصة وسط ضحك وسخرية الزملاء. تراكمت التفاصيل – ذات الدلالة – خلال الأيام الماضية، فالمعلمة اضطرت لفعلتها انصياعاً لضغوط من تلاميذ الفصل، خاصة الذكور، الذين تخطوا مرحلة المراهقة الممقوتة ودخلوا مرحلة «الرجولة الإسلامية المبكرة»، لدرجة أن أحد «أبطالهم» كان قد جهز أداة الجريمة – مع سبق الإصرار والترصد – وقدم «المقص» للمعلمة لقطع الطريق على تهربها المتكرر من تنفيذ تهديها خلال الأيام السابقة. المؤكد أن أهل الصبى ومعلميه وأقرانه يتباهون به الآن، دون أن يدروا أنهم يتباهون بوحش كاسر فى مستقبل الأيام. عبّرت المعلمة عن اندهاشها من الضجة التى أُثيرت حول هذا الموضوع الذى لا يستحق، لدرجة أنها استنجدت برئيس الجمهورية شخصياً، كما أكد مسئول بالوزارة فى المحافظة أن التحقيق مع المعلمة وعقابها إدارياً لا يعنى رفض مبدأ تفضيل تحجيب الصغيرات، حتى لو كنّ مسيحيات، ولكنه جاء بسبب الطريقة الخاطئة التى استخدمتها، وأنه كان يفضل تحويل الصغيرتين للأخصائية الاجتماعية لتتولى أمرهما مع أسرتى الطفلتين. أكدت تتاليات الواقعة أيضاً أن إيذاء الطفولة والاعتداء عليها، هو آخر ما يفكر فيه المجتمع، حتى بالنسبة للأطراف التى أدانت الواقعة، فالأمر تحول بالنسبة لأسرتى الطفلتين إلى أزمة تتعلق بكرامة العائلة التى أهينت على يد المعلمة التى تنتمى لعائلة أخرى، أما جريدة «الأهرام» فتباهت على الصحف الأخرى بامتناعها عن نشر صور الطفلتين «احتراماً لمشاعر أسرتيهما» – وفق نص الصحيفة – لا احتراماً لمشاعر الطفلتين. فى تركيا رفضت «خير النساء»، زوجة الرئيس التركى، ارتداء تلميذات المرحلة الابتدائية الحجاب «لأنهنَّ فى عمر لا يسمح لهنَّ باتخاذ القرار السليم فى مسألة الحجاب والالتزام به»، كما دعت إلى الكفّ عن الجدل بشأن مسألة الحجاب التى «أرهقتنا» واستنفدت طاقة تركيا. فى المقابل، قتلت حركة طالبان الطفلة «ملالا يوسفازى» لأنها ناضلت من أجل تعليمها الذى تحرمه قيادات «طالبان». ترى أى النموذجين «الإسلاميين» سنختار، هذا ما سيحكمه الجدل الاجتماعى السياسى الذى بدأ فى مصر منذ الثورة ولن ينتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *