موقعة الجمل.. محركها خطاب عاطفي والفاعل مجهول
لم يكن اليوم الحادي عشر منذ بداية الثورة يوما عاديا، وبرغم أنه كان مشابها لما سبقه من أيام الثورة، إلا أن الاختلاف كان في دخول طرف ثالث بين المتظاهرين ونظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
بدأت المعركة بين الطرفين تأخذ منحا آخر بعد خطاب المخلوع، وبدأت في الليلة العاشرة للثورة، عندما هاجم مندسون ليلا متظاهري ميدان التحرير وبدئوا إلقاء المولوتوف على لجان الشباب التي طوقت الميدان لحمايته من كافة الجوانب خشية اختراقه وطرد المعتصمين منه.
إلى ذلك كانت وسائل إعلامية محسوبة على النظام قد بدأت في بث شائعات عن احتمال تدخل لقوات الشرطة لفض الميدان بالقوة، وأشاع آخرون أن أعضاء من “الوطني” المنحل أعطوا تعليمات لبلطجية لدخول الميدان.
وبدا الخطاب الإعلامي المحسوب على الرئيس الأسبق، يأخذ منحا آخر كان في مجمله “إعطاء الرئيس الأسبق فرصة أخرى” خاصة بعد خطابه العاطفي الذي تأثر به الكثيرون.
يوم الموقعة
بحسب ما ذكرته وسائل إعلامية وما رواه شهود عيان على المعركة، هاجم البلطجية المتظاهرين في ميدان التحرير مستخدمين الحجارة والعصي والسكاكين وقنابل الملوتوف.
ونجح بلطجية آخرون امتطوا الجمال والبغال والخيول في دخول الميدان وهجموا على المتظاهرين وهم يلوحون بالسيوف والعصي والسياط، فسقط كثير من الجرحى وأصيب آخرين.
وفي اليوم التالي 3 فبراير تجددت الاشتباكات بين البلطجية والمتظاهرين العزل، مما أدى إلى سقوط بعض القتلى بالرصاص الحي ومئات الجرحى.
تقصي الحقائق
اتهمت التقارير الأولية للجنة تقصي الحقائق، نظام الرئيس الاسبق بأنه أراد السيطرة على ميدان التحرير وإرغام المتظاهرين المعتصمين فيه على مغادرته.
وكشفت التقارير الأولية ل “اللجنة” أن النائب عبد الناصر الجابري عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة الهرم ومساعده يوسف خطاب عضو مجلس الشورى عن الدائرة ذاتها حرضا على قتل المتظاهرين في يوم موقعة الجمل لإخراج المتظاهرين من ميدان التحرير بالقوة.
كما اتهمت التقارير الأمين العام السابق للحزب الوطني المنحل، صفوت الشريف بالتحريض للهجوم على المتظاهرين.
وشملت دائرة الاتهام، العديد من رموز نظام مبارك، من وزراء وغيرهم، مثل عائشة عبد الهادي وزيرة القوى العاملة السابقة، وحسين مجاور رئيس اتحاد العمال، وإبراهيم كامل رجل الأعمال وعضو الهيئة العليا للحزب الوطني المنحل.
الغريب أن بعضا ممن كانوا يعارضون النظام بشكل أو بآخر شملهم الاتهام ومنهم رئيس نادي حالي، إلا انه رد على تلك الاتهامات بأنها «مكيدة له»، كونه عزم على ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة المصرية.
ونقلت صحيفة “المصري اليوم” عن النائب أحمد سميح، عضو مجلس الشعب الأسبق، عن الحزب الوطني دائرة الهرم، بتاريخ 12 مارس 2011، إنه تلقى اتصالا من الدكتور شريف والى، أمين الحزب الوطني بالجيزة المستقيل، يوم الثلاثاء 1 فبراير 2011، طالبه فيه بحشد عدد من أنصاره ومؤيديه في الدائرة، خاصة من أهالي نزلة السمان والمناطق التي يتمتع فيها بشعبية في اليوم التالي بأي طريقة، وإرسالهم إلى ميدان مصطفى محمود ليعلنوا تأييدهم للرئيس مبارك.
وأضاف سميح: «والى أكد لي أن هذه تعليمات نهائية من صفوت الشريف، الأمين العام السابق للحزب الوطني، له شخصيا وغيره من أمناء الحزب في القاهرة والجيزة و6 أكتوبر، وأبلغني أن الشريف طالبه بأن تكون التعليمات مقتصرة على النواب ذوى الشعبية والجماهيرية الحقيقية وليست الزائفة».
وأوضح سميح في تصريحاته لنفس الصحيفة، أنه رفض تنفيذ الأمر بدعوى صعوبة حشد المواطنين في ظل هذه الظروف وتردى سمعة الحزب ونوابه وقياداته، بقوله: «قلت لأمين الحزب إنني أخشى سوء التخطيط والتنظيم من الحزب لمثل هذه المظاهرات في ظل العداء الشديد له من المواطنين، مما قد يسفر عن مواجهات لا يعلم مداها إلا الله، فردّ علىّ قائلا: «مالكش دعوة بموضوع المواجهات وتنظيم المظاهرات فدى شغلتنا إحنا بقى».
محاكمة المتهمين
وفي 11 سبتمبر 2011، بدأت محكمة جنايات القاهرة أولى جلسات محاكمة المتهمين في “موقعة الجمل” بتهمة قتل وإصابة المتظاهرين يومي الثاني والثالث من فبراير، ويحاكم في القضية 25 متهما من كبار رجال الحزب الوطني الحاكم سابقا والمنحل حاليا، ورجال أعمال.
وقررت المحكمة في ختام الجلسة حظر البث الإعلامي في القضية، وشهد محيط المحكمة وقتها مناوشات عنيفة بين محاميي قتلى ومصابي الثورة المصرية من جهة وعناصر الأمن بعد أن منعوا من دخول قاعات المحكمة.
كما منع الأمن عددا من الصحفيين والإعلاميين من دخول قاعات المحكمة من دون إبداء أسباب.
ومع وصول المتهمين في القضية إلى قاعة المحكمة، حاول عدد من أهالي الضحايا التعدي على بعض المتهمين لدى وصولهم، لكن الوجود الأمني المكثف في محيط المحكمة منعهم من ذلك.
ويواجه المتهمون تهم القتل العمد والشروع في القتل وإحداث عاهات مستديمة والتحريض على المتظاهرين في ميداني التحرير وعبد المنعم رياض وسط القاهرة والتي عرفت بعد ذلك إعلاميا بموقعة الجمل.
وفي بداية الجلسة أثبت رئيس المحكمة حضور المتهمين، ثم تلى ممثل النيابة العامة لائحة الاتهامات والتي شملت أيضا “ممارسة الإرهاب والترويع بحق متظاهرين سلميين” أثناء أحداث الثورة المصرية، و”الاستعانة بعصابات إجرامية مجهولة من مسلحين وبلطجية ورجال شرطة” لقتل المحتجين.
ونفى المتهمون كل التهم الموجهة إليهم، ثم استمعت هيئة المحكمة إلى طلبات المحامين عن المتهمين والمدعين بالحق المدني. ووجهت النيابة إلى المتهمين في القضية اتهامات بدفع أموال إلى هؤلاء ونقلهم بسيارات من دوائرهم الانتخابية للتوجه إلى ميدان التحرير.
البراءة للجميع
في 10 أكتوبر 2012 قضت محكمة جنايات القاهرة ببراءة جميع المتهمين في قضية قتل المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير، والتي عرفت إعلاميا بـ”موقعة الجمل”، وضمت القضية 24 من كبار رموز الحزب الوطني “المنحل” ونظام مبارك.
وضمت لائحة المتهمين، الذين قضت المحكمة ببراءتهم كلًا من: رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى الأسبق صفوت الشريف، وأمين التنظيم السابق بالحزب الوطني “المنحل” ماجد الشربيني، ووزير الإنتاج الحربي السابق محمد الغمراوي، وأمين عام الحزب الوطني السابق بالقاهرة رجل الأعمال عضو مجلس الشعب السابق محمد أبو العينين.
كما ضمت لائحة المتهمين عبدالناصر الجابري، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة الهرم والعمرانية، ويوسف خطاب، عضو مجلس الشورى السابق عن دائرة قسم الجيزة، وشريف والي، أمين عام الحزب الوطني بالجيزة سابقاً، إلى جانب وليد ضياء الدين، أمين التنظيم بالحزب الوطني بالجيزة سابقاً.
وضمت القائمة أيضا المحامي مرتضى منصور ونجله أحمد مرتضى منصور المحامي، وعائشة عبد الهادي، وزير القوى العاملة والهجرة سابقا، وحسين مجاور، الرئيس السابق لاتحاد عمال مصر، وإبراهيم كامل عضو الأمانة العامة للحزب الوطني المنحل، وأحمد شيحة، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة الدرب الأحمر، وحسن تونسي، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة الخليفة.
كما تضمنت أيضا رجب هلال حميدة، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة عابدين، وطلعت القواس، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة عابدين، وإيهاب العمدة، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة الزاوية والشرابية، وعلي رضوان، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة الساحل، وسعيد عبد الخالق، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة باب الشعرية، ومحمد عودة، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة شبرا الخيمة، ووحيد صلاح جمعة، المحامي ونجل شقيقة مرتضى منصور، وضابطي الشرطة حسام الدين مصطفى حنفي رئيس مباحث قسم السلام ثان، وهاني عبد الرؤوف رئيس مباحث قسم المرج.