خذوا الدكتوراه وعينونى فى “البترول”
وقفت يوماً على الخط السريع ؛ كى أستقل سيارة أجرة “ميكروباص” إلى الكلية التى أعمل بها مدرساً للشريعة؛ حيث يبعد سكنى عن كُلِّيتى ما يقارب أربعين كيلو متراً، فقد تعودت مضطراً أن أقف وقتاً يزيد على النصف ساعة، ثم يأتى عم عباس لينقلنا بسيارته الأجرة، والتى يرجع تاريخها إلى الحملة الفرنسية، ومع ذلك يُصر عم عباس أن يجلس على كل كرسى أربعة أفراد بزيادة فرد فى كل كرسى، فنركب فيها من باب الضرورة، يتمتم بعضنا بآية الكرسى حتى نصل بالسلامة، فإن العربة تسير مترنحة تجوب الطريق يميناً ويساراً.
وذات يوم وأنا أنتظر عم عباس، انتبهت على صوت فرامل عربة ملاكى فاخرة، فظننت أن المحافظ يتفقد الطريق، فتوقف قبل أن يصل إلى المطب بمسافة، وأنا فى حيرتى رأيت رأساً تخرج من النافذة، وصوتاً ينادينى : “يا دكتور أبو القاسم”، قلت: من؟ قال: أنا سيد زميل الابتدائية، “يا نهار أبيض” بسم الله ما شاء الله، أنت سيد زميلى، “أيوه يا دكتور اركب” يا أستاذ سيد، “رايح فين؟” ، بجوار كليتك فى سوهاج يا دكتور ، “الله ! هو أنت يا أستاذ سيد عينت فى سوهاج”؟ ، نعم يا دكتور “من عشر سنين” ، فقلت: “يا أستاذ سيد أنا هناك عضو هيئة تدريس من خمس عشرة سنة ولم أرك”، فقال الأستاذ سيد متهكماً: “أنا اختصرت الطريق يا دكتور، وحصلت على دبلوم صنايع، وعُينت فى البترول”، فقلت له: “وهذه العربة ملكك؟” ، فقال لى: “نعم معلهش هى مش موديل السنه دى حاجة على الأد يا دكتور” فقلت متطفلاً: “بتاخد كام مرتب يا أستاذ سيد” فقال: “يا دكتور ملاليم” ، فقلت له: “كام يعنى؟” فقال: “من غير البدلات أربعة آلاف جنيه لكن أنتم يا دكتور أخذتم العلم والمال” ، فصرخت فى وجهه: “خد الدكتوراه وأعطنى الدبلوم”.
• مدرس بجامعة الأزهر – بنات سوهاج