تقارير وتحقيقات

مخيم اليرموك .. ثمار «النكبة» يعاد قطافها

ما لبث اللاجئون الفلسطينيون في مخيم “اليرموك” بدمشق، يتناسون مآسي وآلام “النكبة” في بلادهم عام 1948 التي عاصروها أو حدثهم أهاليهم أو أجدادهم عنها، وأخذوا بالاستقرار وممارسة حياتهم الطبيعية في المحطة الجديدة التي وصلوا إليها، حتى عادوا مرة أخرى ليواجهوا “نكبة” جديدة ونزوح آخر بعد اندلاع الصراع في سوريا قبل أكثر من أربع سنوات.

ومخيم “اليرموك” واحد من 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذي كان يعد مسكناً لأكبر تجمع لأولئك اللاجئين في البلاد.

منطقة حضرية
ولعل وقوعه داخل حدود مدينة دمشق حيث يبعد 8 كيلومتر فقط عن وسطها، جعله منطقة حضرية ويختلف تماماً عن أي تجمع آخر للاجئين الفلسطينيين في سوريا.

ويعيش في سوريا أكثر من 570 ألف لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 9 مخيمات رسمية و3 غير رسمية، بحسب البيانات التي توردها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) على موقعها الرسمي على الانترنت، وذلك حسبما ذكرت وكالة “الأناضول”.

ومعظم اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا إلى سوريا في عام 1948 هم من الأجزاء الشمالية من فلسطين، وتحديدا من مدن صفد وحيفا ويافا، وقد فر بعض اللاجئين الفلسطينيين أيضاً من ضمن حوالي 100 ألف شخص، من مرتفعات الجولان(أقصى جنوب غربي سوريا) إلى أجزاء أخرى من سوريا عندما تم احتلال المنطقة من قبل إسرائيل عام 1967، فيما فر بضعة آلاف آخرون إلى سوريا خلال حرب لبنان مع إسرائيل عام 1982.

جمع المتفرقين
وتم تأسيس مخيم اليوموك في عام 1957 فوق مساحة من الأرض تبلغ 2,1 كيلومتر مربع بهدف استيعاب اللاجئين الذين كانوا متفرقين في المساجد والمدارس والأماكن العامة الأخرى.

وبحسب تصنيف “أونروا”، فإن مخيم اليرموك يصنف ضمن المخيمات الثلاث “غير الرسمية” في سوريا، وتعرف المنظمة الأممية تلك المخيمات بأنها تستفيد من جميع خدمات المنظمة مثلها مثل المخيمات الرسمية، إلا أن “أونروا” غير مسؤولة عن جمع النفايات الصلبة الناتجة عنها.

وكان يتوفر للاجئين في المخيم قبل الأحداث الأخيرة التي عصفت به 28 مدرسة مختلفة المستويات تعمل بنظام الفترتين، ومركز توزيع غذائي واحد، وثلاثة مراكز صحية إضافة إلى العديد من المرافق الخدمية الأخرى.‎

والعديد من اللاجئين في مخيم اليرموك هم من الأشخاص المؤهلين الذين كانوا يعملون كأطباء ومهندسين وموظفين، أما الآخرون فهم يعملون كعمال عرضيين وبائعين في الشوارع، وبشكل عام، فإن الظروف المعيشية في المخيم كانت تعد أفضل بكثير من الظروف التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون الآخرون في المخيمات الأخرى في سوريا.

ومخيم اليرموك كان يضم أكثر من 144 ألف لاجئ فلسطيني مسجل، فضلاً عن لاجئين آخرين غير مسجلين لا يوجد إحصائية دقيقة لأعدادهم، إضافة إلى نحو مثل هذا الرقم لمواطنين سوريين كانوا يقطنون المخيم أيضاً، إلا أنه نتيجة الصراع في البلاد الذي اندلع في مارس/ آذار 2011 والاشتباكات التي اندلعت داخل اليرموك وفي محيطه بين فصائل فلسطينية وأخرى سورية معارضة من جانب وقوات النظام السوري وفصائل فلسطينية موالية له من الجانب الآخر والمستمرة منذ عام 2012، نزح معظم السكان من المخيم ليتبقى فيه حالياً 18 ألف لاجئ فقط، بحسب الأونروا.

وكان المخيم نفسه ملجأ لكثير من أهالي ريف دمشق وأهالي أحياء العاصمة دمشق التي تعرّضت للقصف نتيجة الصراع المستمر بين قوات النظام والمعارضة، كمدن ببّيلا ويلدا في الريف الدمشقي وكأحياء التضامن والحجر الأسود والقدم والعسالي وغيرها في العاصمة، وبقي المخيم آنذاك هادئا نسبياً وبعيداً عن التوترات، حتى منتصف ديسمبر/ كانون الأول من عام 2012 حيث بدأت حملة عسكرية لقوات النظام على المخيم بعد تقدم قوّات المعارضة من الأحياء الجنوبيّة في دمشق.

ونتج عن هذه الحملة قصف عنيف واشتباكات بين جيش النظام وفصائل سورية تابعة للجيش الحر وأخرى فلسطينية معارضة للنظام السوري وأخرى موالية له، وتدخلت بعدها “جبهة النصرة” إلى جانب الجيش الحر وفصائل المعارضة، لتتوسع الاشتباكات ويزداد القصف على المخيم ما دفع بموجة من الأهالي إلى النزوح وبأعداد كبيرة.‎

السيارات المفخخة
ومع تصاعد الاشتباكات وتوزعها على مختلف مناطق المخيم، انتقلت إلى اليرموك عدوى السيارات المفخخة من باقي أحياء دمشق، فانفجرت عدة سيارات مفخخة ما أوقع خسائر في الأرواح والمباني، ولتسيطر في النهاية فصائل المعارضة السورية-الفلسطينية، إضافة إلى “النصرة” على معظم أجزاء المخيم وليعمل جيش النظام السوري وفصائل فلسطينية موالية له على فرض حصار عليه.

ومنذ سبتمبر/أيلول 2014، بات الحصار خانقاً على المخيم ومنعت قوات النظام السوري والفصائل الموالية له دخول المواد الغذائية والطبية إلى المحاصرين فيه، ما أدى لوفاة أكثر من 172 لاجئاً فلسطينياً جوعاً معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، بحسب إحصائية حديثة للائتلاف السوري المعارض، ولم تفلح جميع المبادرات الأممية والفلسطينية في فك الحصار عنه، على الرغم من تمرير بعض الحصص الغذائية القليلة للأهالي فيه.

ونزح عدد كبير من لاجئي مخيم اليرموك وغيره من مخيمات اللاجئين في سوريا إلى مناطق أخرى أكثر استقراراً داخل البلاد، وإلى دول الجوار السوري (تركيا، لبنان، العراق، الأردن) إضافة إلى قطاع غزة، ودول عربية وأوروبية وصلوا إليها بطرق مختلفة.

ونزوح اللاجئين الفلسطينيين في سوريا عموماً هو جزء من نزوح جماعي أكبر للسوريين أنفسهم حيث نزح نحو 10 ملايين شخص (من أصل 23 مليون عدد سكان سوريا قبل الأزمة) عن ديارهم نتيجة الصراع إلى مناطق أخرى داخل البلاد وخارجها.

وكان بيير كراهينبول، المفوض العام لوكالة “أونروا”، قال الشهر الماضي، إن “أكثر من 12 جماعة مسلحة تتقاتل حاليا داخل وحول مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وذلك في تصريحات للصحفيين بمقر المنظمة الأممية في نيويورك.‎

وأبرز تلك الفصائل بحسب رصد مراسل “الأناضول”: داعش، جبهة النصرة(فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، و”أكناف بيت المقدس” الذي لا يعلن عن تبعيته صراحة، فيما تنسب بعض المصادر تبعيته لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بينما تنفي الأخيرة ذلك.

وإضافة إلى الفصائل السابقة يوجد أحرار جيش التحرير، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية قام بتشكيلها خالد الحسن الضابط برتبة عقيد في “جيش التحرير الفلسطيني” في سوريا، قبل أن ينشق عنه بعد رفضه تنفيذ الأوامر وتوريط جنوده في الأزمة السورية، وقتل الحسن الملقب بـ “عقيد المخيم”، الشهر الماضي، خلال المواجهات ضد “داعش” و”النصرة” في مخيم اليرموك.

وأيضاً يوجد فصائل سورية – فلسطينية معارضة تسيطر على المخيم إلى جانب الفصائل السابقة مثل “أنصار الاسلام” و”أحرار الشام” و”جيش الإسلام” و”شام الرسول” و”جيش الأبابيل” والمنتشرة في مناطق جنوبي دمشق المتاخمة لمخيم اليرموك وعلى أطرافه.

سيطرة «داعش»
والشهر الماضي سيطر تنظيم “داعش” على معظم مساحة مخيم “اليرموك”، بعد هجوم شنه انطلاقاً من منطقة الحجر الأسود التي يسيطر عليها جنوب المخيم وخاض مقاتلوه معارك ضد الفصائل والقوى السورية والفلسطينية المعارضة لنظام بشار الأسد والتي كانت تسيطر على المخيم منذ نحو عامين، قبل أن ينسحب التنظيم ويسلم المواقع التي سيطر عليها لـ”جبهة النصرة”.

على الجانب الآخر يحاصر جيش النظام السوري وفصائل فلسطينية موالية له، من تبقى من سكان المخيم والفصائل المعارضة الموجودة فيه، ويطلق النظام على تلك الفصائل تسمية “تحالف القوى واللجان الشعبية الفلسطينية” وتضم فصائل مسلحة عديدة أبرزها “فتح الانتفاضة” و”الجبهة الشعبية-القيادة العامة” و”قوات الصاعقة” و”جبهة النضال الشعبي”.

وفي عام 1948 هجرت ما يسميها الفلسطينيون “عصابات صهيونية مسلحة” 957 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم في فلسطين التاريخية، بحسب تقدير للأمم المتحدة، وأعلنت قيام دولة إسرائيل عليها في 14 مايو/ أيار من ذلك العام.

وحتى نهاية العام الماضي، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى 5.9 مليون نسمة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، مسجل منهم رسميا لدى وكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قرابة 5.3 مليون لاجئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى