في غزة .. مهنة صناعة « أهلة المساجد » تكافح من أجل البقاء
على لوح نحاسي، داخل ورشته وسط مدينة غزة، يرسم النحّاس محمد عبدو، هلالا آخر، يستعد لصنعه، بما يتلاءم مع مئذنة مسجد يصل ارتفاعها إلى 20 مترًا.
وبعد أن قص عبدو، بدقة هلاله الجديد، وطرق عليه بالمطرقة عدة ضربات ليمنحه شكلا جميلا، قال لوكالة الأناضول: “أنا آخر من يعمل في هذا المجال”.
وتابع: “ورثت هذه المهنة عن والدي، لكن أبنائي لا يفضلون العمل فيها، ويقولون إنها غير مجدية ولا مستقبل لها”.
ويتسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، بأضرار مادية كبيرة لعبدو، نظرا لمنع إسرائيل إدخال مواد البناء، وهو ما يؤخر بناء المساجد.
وتقول وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، إن إسرائيل دمرت خلال حربها على قطاع غزة 64 مسجدا بشكل كلي، إضافة إلى تضرر 150 مسجدا بشكل جزئي.
وتُصنع أهلة المساجد من معدن النحاس فقط، فهو لا يصدأ نتيجة تعرضه المستمر للهواء، على عكس معدن الحديد، لذلك لا تنتج ورش الحدادة في القطاع هذا المنتج، وفق عبدو.
وعلى لهب شديد الاشتعال، أوقده “صانع الأهلة”، من فحم حجري غطى دخانه المكان، يقلب قطع النحاس، لكي يكسبها حرارة تمكنه من ثنيها بسهولة، ومنحها الشكل الذي يريد.
وصنع عبدو من النحاس المسخن، 6 قطع على شكل مخروط لا قاعدة له، وأدخل كل واحدة منها في قضيب حديدي، مثبت في مقدمته الهلال، بحيث أصبحت قاعدة كل مخروطين متقابلتين، ليصبح بعدها جاهزًا للتثبيت فوق القباب والمآذن.
ويتراوح ارتفاع الأهلة التي يصنعها عبدو ما بين متر ونصف المتر، إلى ثلاثة أمتار، حيث تختلف المقاسات وفقًا لطول المئذنة، أو حجم قبة المسجد.
وأشار صانع الأهلة ،إلى أن المئذنة التي يصل ارتفاعها إلى نحو 50 مترًا تحتاج هلالا يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار، ويستغرق صنعه أسبوعًا.
أما أقصر الأهلة ارتفاعًا، فإن صناعته تستغرق يومين فقط، ويثبت فوق قبة صغيرة أو مئذنة يصل ارتفاعها ما بين 15 إلى 20 مترًا.
وتقدر قيمة أهلة المساجد ما بين 1500 شيكل ما يعادل تقريبًا (400 دولار أمريكي)، و2500 شيكل ما يعادل تقريبًا (550 دولارا أمريكيا)، ويتحدد ذلك وفقا لمقاس الهلال ونوعيته.
ويقضي النّحاس الخمسيني الذي يعمل في هذه المهنة منذ 40 عامًا، في ورشته الصغيرة، التي صبغت جدرانها باللون الأسود الصادر عن دخان الفحم الحجري، قرابة الـ 8 ساعات، ينهي خلالها أعماله بمفرده.
وأدى الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وإيقاف تصدير البضائع من القطاع إلى الضفة الغربية، إلى إلحاق أضرار كبيرة في عمل عبدو، حسب قوله.
ويتابع: “كان سوقنا الأول في الضفة الغربية، أما في قطاع غزة، فإننا نشهد ركودًا كبيرًا، قد يمر علينا عدة أشهر دون أن ننتج شيئًا”.
ومنذ أكثر من ثماني سنوات، أوقفت السلطات الإسرائيلية تصدير غالبية المنتجات والبضائع من غزة إلى الخارج، إلا أنها سمحت مؤخراً بخروج شحنات صغيرة من البضائع، يرى مراقبون اقتصاديون أنها لن تترك صدى إيجابيا على الاقتصاد المدمر في القطاع.
وتفرض إسرائيل حصارًا على قطاع غزة، منذ فور حركة المقاومة الإسلامية “حماس”،في الانتخابات البرلمانية، عام 2006، ثم شددته في منتصف عام 2007.
وتستمر إسرائيل في حصارها رغم تشكيل حكومة توافق وطني أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس في الثاني من يونيو الماضي.