زيارة السيسي لبرلين.. ملامح سياسية واقتصادية «تحليل»
في 3 يوليو/تموز عام 2013، اتخذت ألمانيا مسافة من عزل وسجن محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب بعد ثورة يناير، مكتفية بالدعوة إلى تسريع البدء بالعملية السياسية، ومناشدة الأطراف تجنب العنف، والإفراج عن مرسي، وهو الموقف الذي ألقى بظلاله، على العلاقات بين القاهرة وبرلين، لنحو عامين، سواء على صعيد الانتقادات الحقوقية، أو عدم تقديم الدعم الاقتصادي في حينها.
وجاءت زيارة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي لبرلين والتي بدأها الثلاثاء الماضي، واختتمت أمس الخميس، لتسلط الضوء على مستقبل العلاقات المصرية الألمانية، في ظل توقعات سبقتها بعدم إتمام الزيارة، عقب إعلان رئيس البرلمان الألماني نوربرت لامرت في ١٩ مايو/آيار الماضي، أنه لن يلتقي السيسي، بسبب “انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وقرار الإعدام الصادر بحق محمد مرسي”، ما زاد من التوقعات الإعلامية والسياسية بعدم إتمام الزيارة.
عكس موقف رئيس البرلمان الألماني بصورة أو بأخرى، مخاوف لدى برلين، مازالت متصاعدة، بشأن حقوق الإنسان، وهو ما برز لاحقاً خلال الزيارة، وتحديدا أثناء مؤتمر صحفي جمع الرئيس المصري والمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، حيث قالت الأخيرة بوضوح إن بلادها “ضد تنفيذ قرارات الإعدام الصادرة بحق محمد مرسي (أول رئيس مدني منتخب في مصر)، وعدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين”، كما شهد المؤتمر احتجاج صحفية مصرية تدعى فجر العادلي، هتفت ضد السيسي متهمة إيه بـ”القاتل”، ورفعت إشارة “رابعة” (أربع أصابع مرفوعة لأعلى).
وظهرت إشارة “رابعة” كإشارة احتجاجية، انطلقت من تركيا وانتشرت على مستوى عالمي، عقب مقتل المئات، خلال قيام السلطات الحالية بفض اعتصامين مؤيدين لمرسي، في ميداني “رابعة العدوية” شرقي القاهرة، و “النهضة” غربها، في أغسطس 2013، مستخدمة ما وصفته تقارير حقوقية بـ”القوة المميتة”.
عبد السلام نوير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط (جنوب مصر)، قال إن “زيارة السيسي لألمانيا، كزيارة في حد ذاتها، أتت ثمارها، لاسيما في ظل ما سبقها من احتمالات لتأجيلها أو إلغائها، وبالتالي فمجرد حدوث الزيارة بمثابة اعتراف بشرعية النظام القائم، وهو ما كان يبغيه النظام”.
وتابع في تصريحات هاتفية لمراسلة الأناضول “بالطبع كان هناك انتقادات لمرافقة وفد شعبي من الفنانين المصريين خلال الزيارة، وهو الأمر الذي أعطى صورة سلبية عن اتباع مصر للأعراف الدبلوماسية، لاسيما أن مرافقة الفنانين أمر غير معهود، لكن في النهاية تحققت الأغراض السياسية من الزيارة”.
ووفق نوير فإن “المكاسب الاقتصادية لم تتحقق في ظل هذه الزيارة، حتى مع توقيع اتفاقيات مع الجانب الألماني، فما كان منتظراً ومتوقعاً لم يتحقق، ويبدو أنه لن يتحقق في ظل وجود حالة استقطاب حادة في مصر”.
وتعليقا على توقيع اتفاقية تعاون مع شركة سيمنس الألمانية بقيمة ٨ مليار يورو خلال الزيارة، قال نوير “إن مصر تواجه تحديات اقتصادية هائلة أكبر من هذه القيمة، التي كان يمكن أن نحصل عليها خارج الزيارة، ولا تحتاج لزيارة رسمية من السيسي”.
وشهد المؤتمر الاقتصادي في مدينة شرم الشيخ المصرية، مارس/آذار الماضي توقيع اتفاقية بين القاهرة وشركتي “سيمنس” و”جنرال إلكتريك”، الألمانيتين، لتزويد مصر بالطاقة الكهربية بنسبة الثلث في غضون عام ونصف العام، وذلك بتمويل مباشر من الحكومة الألمانية وبشروط سداد ميسرة للحكومة المصرية، الأمر الذي في حال تنفيذه قد يخفف من أزمة انقطاع الكهرباء التي تعاني منها مصر مؤخرا بشكل متزايد، خاصة مع دخول فصل الصيف.
جمال عبد الجواد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية التابع لصحيفة الأهرام (رسمية) اعتبر أن “زيارة السيسي لألمانيا نجحت برغم أنها لا تعتبر بيئة صديقة لنظامه، الأمر الذي كان جليا في مواقف برلين إزاء تطورات الأوضاع في مصر منذ الإطاحة بمرسي، إلى جانب وجود تيار قوي من الإسلاميين والمهاجرين الأتراك في ألمانيا، رافضين للنظام الحالي في مصر، وعليه كان من الصعوبة تقبل زيارة السيسي وإتمامها، وبالرغم من ذلك تمت الزيارة، وهذا في حد ذاته نجاح”.
وأضاف “أتصور أن الزيارة نجحت في حد ذاتها، لأنها بمثابة اعتراف من برلين على أعلى مستوى بالنظام السياسي القائم في مصر وبشرعيته، وأنه يمكن التعامل معه مستقبلاً”، مردفاً “إذا كان للزيارة ثمار فلم تكن كافية على المستوى الاقتصادي، بالطبع نفهم إننا نتحدث عن بلد مثل ألمانيا، الاقتصاد بها ليس متمركزا في يد الحكومة كي تقوم مثلا بتحويل مبالغ مالية كبيرة للقاهرة على غرار الخليج”.
ورغم ذلك أبدى عبدالجواد تفاؤلا مشروط، بقوله “لكن قد يكون لمسألة الدعم الاقتصادي تداعياته مستقبلاً، وليس في الوقت الراهن، وهو الأمر المرهون بالرد المصري عمليا على الانتقادات التي وجهتها برلين بشأن حقوق الإنسان”.
مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أوضح بدوره أن “هناك مرحلة تفاهم جديدة بين القاهرة وبرلين، في إطار تحول غربي تجاه مصر، ظهرت ملامحه منذ شهرين، عندما أعلنت فرنسا عن إتمام صفقة الطائرات رافال بقيمة 5.2 مليار يورو”.
سبب تزحزح موقف ألمانيا تجاه النظام الحالي في مصر، أرجعه غباشي إلى “منطق المصلحة أولا، في التعامل مع دول الشرق الأوسط، وذلك لضمان عدم توافد المهاجرين، (الفارين من الصراعات في بلادهم)، وهو الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً للغرب”.
ولفت الخبير السياسي إلى أنه “كلما أحكم النظام الحالي في مصر سيطرته على الداخل، كلما تحدث التحولات الجذرية في مواقف الغرب تجاهه”، متوقعاً أن “تغض دول غربية ومنها ألمانيا، الطرف، عن انتقاد حقوق الإنسان، مع هذه التحولات”.
رافال باجكزوك، الباحث الألماني في مركز الدراسات الشرقية الروسي (مستقل، ومقره وارسو)، اعتبر زيارة السيسي لألمانيا “تعبير عن مساع ألمانية، لدعم شرعية الرئيس، ودعمها له في محاربة الإرهاب الإسلامي”، مشيراً إلى أن هذا “يمثل تغير في موقف برلين السابق، والذي كان يربط، الزيارة بإجراء الانتخابات البرلمانية في مصر (والتي تم تأجيلها أكثر من مرة لأجل غير معلوم، ولكن السيسي في ختام زيارته لألمانيا وعد بإجرائها قبل نهاية العام الجاري)”.