تقارير وتحقيقات

خيارات حماس للتعامل مع «التنظيمات المتشددة» في غزة


يطرح تبني مجموعات محسوبة على تيار “السلفية الجهادية” إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه جنوبي إسرائيل في ظل التهدئة المبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تساؤلات حول الخيارات التي تملكها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” باعتبارها المسيطرة على القطاع، حيال التعامل مع هذه المجموعات.

ووفقا لوكالة ” الأناضول”،باتت الصواريخ التي تطلقها هذه المجموعات ذريعة إسرائيلية لضرب أهداف لحركة حماس، وإغلاق معابر القطاع، وما يترتب على ذلك من تفاقم لمعاناة 1.8 مليون فلسطيني يعيشون ظروفا إنسانية قاسية.

يرى سياسيون فلسطينيون في أحاديث منفصلة لمراسل وكالة الأناضول أن حركة حماس ”تمتلك 3 خيارات للتعامل مع هذه المجموعات، تنحصر في محاورة قياداتها ومحاولة التوصل إلى صفقة معينة معها لوقف نشاطها، أو أن تحاول احتواء أفرادها وتحويل فكرهم إلى الوسطية بدلا من التطرف، أو أن تلجأ إلى الحلول الأمنية”.

القيادي في حركة حماس، يحيى موسى يرى أن “الأساس في التعامل مع أي طرف فلسطيني هو الوصول لحالة من التوافق لتحقيق المصلحة الوطنية، وهذه هي الآلية التي تتعامل بها حركة حماس مع جميع الأطراف”.

ويضيف   “عندما تجمع القوى والفصائل الفلسطينية على أمر معين، فالأصل أن ينسجم الجميع مع هذا الأمر، لأن عدم الانسجام ومحاولة الخروج عنه بالقوة سيعرض السلم الأهلي للخطر وهذا لا يمكن قبوله”، في إشارة إلى اتفاق التهدئة الذي تخرقه هذه المجموعات بإطلاق الصواريخ.

ويشدد موسى على أن “المرحلة الأولى للتعامل مع التنظيمات السلفية الجهادية التي خرجت عن الإجماع الوطني تقوم على الحوار، ولا يمكن أن تكون الحلول الأمنية هي الخيار الأول أو الوحيد، وإنما يتم اللجوء إليها بعد استنفاذ جميع الخيارات”.

وفي 26 أغسطس/آب 2014، توصلت إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، برعاية مصرية، إلى هدنة طويلة الأمد بعد حرب امتدت لـ“51 يوما”.

وتلتزم الفصائل الفلسطينية، بوقف إطلاق النار، لكن جماعات “جهادية”، تواصل بين الفينة والأخرى، إطلاق بعض الصواريخ على إسرائيل، رافضة الالتزام بالاتفاق، كان أخرها فجر الأحد الماضي، عندما شنَّت مقاتلات حربية إسرائيلية، غارة على موقع تابع لحركة حماس في قطاع غزة، كما أعلن جيش الاحتلال إغلاق معبري “كرم أبو سالم” التجاري، و”بيت حانون” المخصص لعبور الأفراد، ردا على إطلاق صواريخ على مناطق إسرائيلية.

وتبنى تنظيم جهادي غير معروف، يُطلق على نفسه اسم “سرية الشهيد عمر حديد-بيت المقدس”، المسؤولية عن إطلاق الصواريخ، كما أعلن التنظيم ذاته، في بيان سابق نشرته مواقع مقربة من التنظيمات السلفية الجهادية، في غزة، أنه في حلٍ من التهدئة التي أبرمتها حركة حماس مع إسرائيل، وأنه سيواصل ضرب الصواريخ، مطالبا حركة حماس بالكف عن ملاحقة من وصفهم بـ”الدعاة وطلبة العلم”.

ولم يتسن لوكالة الأناضول التحقق من صحة البيانين.

ويقول موسى ”نحن في مرحلة الحوار والإقناع مع هذه الأطراف وعندما تتحول نشاطاتهم إلى أفعال يمكن أن تهدد السلم الأهلي، هنا لا بد أن يأخذ القانون مجراه ويجب حينها معاقبة من يهدد أمن المجتمع وفقا لأحكام القانون، فلا يعقل أن لا يكون هناك قوة تردع من يقوم بإطلاق النار وترويع الآمنين”.

وفي السياق، يقول إبراهيم المدهون الكاتب السياسي في صحيفة “الرسالة” نصف الأسبوعية التي تصدر من غزة إن “خيارات حركة حماس للتعامل مع بعض المجموعات المتشددة  تهدف جميعها لاحتواء هذه المجموعات، والتقليل من خطرها، وعدم الوصول معها إلى مربع العنف الذي لا يخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي”.

ويوضح المدهون أن “من أهم خيارات حماس للتعامل مع هذه لمجموعات، محاورة أفرادها وتحويل فكرهم من التطرف والتشدد إلى المنهج الإسلامي الوسطي البعيد عن العنف، واللجوء إلى الحلول الأمنية في حال فشل هذا الخيار”.

ويرى أن على حركة حماس ”ملاحقة واعتقال كل من يتمرد على واقع الاستقرار في غزة ويحاول تهديد السلم الأهلي”، لافتاً إلى أن ”المجموعات المحسوبة على السلفية الجهادية في غزة محصورة وغير قادرة على التوسع، كما أن البيئة الفلسطينية تنبذ التطرف والعنف لذلك لا أتوقع أن تتمدد هذه المجموعات وتزيد أعداد أفرادها بشكل يمثل تهديدا حقيقيا على المجتمع”.

“ولكن استمرار الحصار والتضييق على غزة وانتشار البطالة والفقر قد يدفع إلى تنامي ظاهرة التطرف والتشدد في صفوف الشباب الفلسطينيين”، بحسب المدهون.

وفي 22 مايو/أيار الماضي، أصدر البنك الدولي، بيانا قال فيه إنّ نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت إلى 43 %، وهي الأعلى في العالم، في حين ارتفعت البطالة في صفوف الشباب فقط إلى ما يزيد عن 60% بحلول نهاية عام 2014، وهو أمر “يدعو للقلق”، وفق البنك الدولي.

من جانبه، يقول طلال عوكل الكاتب السياسي في صحيفة “الأيام” اليومية الفلسطينية أنه ”لا بد على حركة (حماس) أن تراعي حقوق الإنسان وسلطة القانون فيما يتعلق بالتعامل مع أفراد الجماعات الجهادية في قطاع غزة”.

ويضيف عوكل أن “من أهم خيارات حماس لمحاصرة ظاهرة التطرف والتشدد معالجة قضايا الفقر والبطالة الواسعة التي تدفع الشباب للجوء إلى هذه الجماعات المتطرفة، وجزء كبير من هذا الخيار يقع على عاتق إسرائيل والمجتمع الدولي، الذي عليه الضغط لرفع الحصار عن قطاع غزة، وإتاحة حرية الحركة للفلسطينيين وتحسين ظروف حياتهم”.

ويحذر من أن “البيئة العامة الموجودة في غزة حاليا تعتبر منتجا مثاليا للتطرف والتشدد، فالفقر يدفع الشباب للانتماء لهذه الجماعات المتشددة التي تشكل تهديدا على المجتمع”.

ويرى عوكل أنه “في حال أصبحت هذه الجماعات  تشكل خطرا يهدد السلم المجتمعي بعملها على إدخال القطاع بمواجهة جديدة مع إسرائيل، فإن على حماس باعتبارها المسيطرة على القطاع أن تتعامل معها بشكل أمني”.

وتشن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في قطاع غزة، حملة اعتقالات ضد هذه “الجماعات المتشددة”، والتي تتهم بدورها حركة حماس، بـ”الكفر والردة” عن الإسلام.

و”السلفية الجهادية” هو مصطلح أطلق منذ نهاية الثمانينيات على بعض جماعات الإسلام السياسي، التي تتبنى فكرة العمل المسلح ضد الحكومات القائمة في بلاد العالم الإسلامي أو ضد الأعداء الخارجيين، وحملوا فكراً محدداً يقوم على مبادئ الحاكمية وقواعد الولاء والبراء، ويختلفون مع تيار السلفية العلمية وجماعة الإخوان المسلمين  في تبنيهم لمنهج العمل المسلح كوسيلة للتغيير ضد الحكومات، وليس مسارات التربية والتعليم أو البرلمان، معتبرين أن هذه الأنظمة “متجذرة ومدعومة من الخارج وفشل معها الإصلاح المتدرج”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى