المسيحيون يرحبون بـ «الزواج المدني»..والكنيسة: انتهاك لقدسية الزواج

أثار «الزواج المدني» بين المسيحيين جدلًا كبيرًا في الأوساط الكنسية، ما بين مؤيد ومعارض.

ففي حين يرفضه رجال الدين؛ يلقى تأييدًا وترحيبا من قبل المواطنين المسيحيين وتيارات المجتمع المدني، ويتمسك كل طرف برأيه ومبرراته، وتكون في النهاية الأسرة هي الضحية.

وتشهد أروقة محاكم الأسرة ما لا يقل عن 300 ألف قضية طلاق معلقة، بسبب مرجعية الكنيسة المتحكمة في ضوابط الطلاق استنادًا لأبدية العلاقة الزوجية وحصر إمكانية فسخ عقد الزواج حال ثبوت علة الزنا أو جنون أحد الزوجين أو تغيير أحدهما لمذهبه الديني، وهي الحيلة التي يستخدمها البعض للفرار من الطريق الطويل بين المحاكم والكنيسة لإتمام الطلاق.

طوق نجاة

عادل المصري مواطن من الأقصر، قال إن الزواج المدني بمثابة طوق النجاة لمشكلته، وأن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الفصل بين الأزواج المسيحيين حلا لإتمام الطلاق، بسبب ما تفرضه الكنيسة من قيود.

وأضاف في حديثة لـ«محيط» إنه تزوج “زواج صالونات” ولم يمض أسبوعان حتى ظهرت زوجته على حقيقتها وتلاشى القناع الذي كانت ترتديه، “لتنغص” عليه حياته بالشجار المتكرر متحججة بأنها أُرغمت على الزواج به.

ولفت إلى أن زوجته ادعت أن لديه أمراضًا جنسية نتيجة العلاقات غير الشرعية، ولكنه أثبت بالتحاليل كذب ادعائها.

ونوه إلى أنه لجأ إلى المجلس “الإكليريكي” منذ عام 2008 ولكنه لم يجد حلًا لمشكلته بعد محاولات الصلح مع الزوجة ومحاولة إثبات تغيبها عن البيت فترة دون علم أحد بمكانها، مما يعتبر زنا حكميًا في نظر اللائحة الجديدة، فما كان منه إلا أن انسلخ (لا طائفي) عن الكنيسة الأرثوذكسية ليرفض القاضي إعطاءه الطلاق.

وأشار إلى أنه اضطر في النهاية لتغيير ملته للطائفة الإنجيلية بمبلغ 10 آلاف جنيه، كاشفًا عن مافيا متخصصة في ذلك من المستفيدين من الانتقال بين الطوائف.

”سارة. ش” قالت، إن زوجها هجرها لمدة 5 سنوات دون إبداء أي أسباب بعد 10 أعوام من الزواج، تاركًا لها طفلة تبلغ من العمر 4 سنوات، قررت الطلاق ولجأت إلى رفع قضية خلع.

وأضافت أنها فكرت في الحصول على شهادة تغيير الملة لنيل الطلاق، ولكن ضيق يدها حال دون ذلك، حيث إن الشهادة تتكلف 50 ألف جنيه.

حق مجتمعي

ميرفت النمر المستشار القانوني لرابطة “صرخة للأحوال الشخصية”، قالت “إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع”، موجهة حديثها لقادة الكنيسة الأرثوذكسية الذين يرفضون الزواج المدني ويضعون عراقيل في وجه من يريدون الطلاق.

وأضافت، أن الزواج المدني حق من حقوق المجتمع، مشيرة إلى أهمية وضع ضوابط له للحد من الطلاق المتكرر.

إسحق فرنسيس، رئيس رابطة “صرخة للأحوال الشخصية”، اعترض على عدم طرح مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، خصوصًا فيما يخص الزواج المدني على المواطنين المسيحيين، مشيرًا إلى أن من اتخذوا القرارات هم القادة.

«المدني» ليس عرفيًا

من جانبه، قال إسحق إبراهيم، الباحث ومسئول ملف حرية الدين والمعتقد في “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، إن “المجتمع يعطي صورة خاطئة عن الزواج المدني مشبهًا إياه بالزواج العرفي، وهذه مغالطة، فهو يتم بعقد لا ينص على حقوق لأطرافه، أما المدني فهو زواج معترف به ومسجل في الشهر العقاري وينظم حقوق الطرفين وأولادهما أثناء العلاقة وبعد فضها، وليس كما يقول البعض إنه خارج السيطرة”.

كريمة كمال “كاتبة صحفية”، ترى أن أزمة الزواج المدني تحتاج لتدخل الدولة لحلها، لكنها اعتبرت أن الدولة ذاتها لم تتحول إلى المدنية بالقدر الكافي، و”تحتاج إلى تحولات كثيرة من أجل هذه الخطوة”.

وأوضحت “كمال” أن “الزواج المدني مطبق في كثير من الدول الغربية رغم أن مبادئ الدين المسيحي واحدة”, مضيفة أن “متضرري الأحوال الشخصية عددهم ليس بالقليل”.

ويقول الدكتور سمير تناغو، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية والمتخصص في قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين، إنه “بالرغم من أن النص يبيح الطلاق في ظاهره لعلة الزنا؛ إلا أن تغليب نص على نص آخر هو اجتهاد بشري”.

يقلص من سلطة الكنيسة

وبدوره يقول القس رفعت فكري رئيس لجنة الإعلام والنشر بسنودس النيل الإنجيلي، إن من يتمسكون بالموروثات يرفضون الزواج المدني، مشيرًا إلى أنهم يعتبرون الزواج في الأساس “مشروع إلهي”، حسب قول الكتاب المقدس، “وخلقهما في البدء ذكرا وأنثى”.

وأضاف، أن المشكلة الحقيقية وراء رفض كلا من الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية للزواج المدني يكمن في أنه قد يفتح الباب لزواج مختلفي الديانة، مما يخلق العديد من المشاكل الطائفية، كما أنه يقلص من سلطة الكنيسة ورؤسائها على الأفراد.

انتهاك لقدسية الزواج

”الأب” رفيق جريش، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية، قال إن “الكنيسة لم تبتدع الزواج الكنسي كما يقول البعض، فالزواج منذ بدء الخليقة ما هو إلا شيء مقدس، فقد كان في الحضارات الفرعونية والإغريقية واليهودية القديمة طقوسًا دينية مقدسة للزواج.

وأضاف: ضاف”سر رفض الكنيسة للزواج المدني هو وجود مبادئ عقدية لا يمكن أن تتزحزح”.

وقال: “إذا ارتأت الدولة أن الحل في الزواج المدني فليكن، ولكن بدون وضعه ضمن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين”.

وأعتبر أن تطبيقه قد يؤدي إلى خلل بالمجتمع، منوهًا إلى أنه انتهاكًا لقدسية الزواج، قائلًا: “اللي عايز يتجوز واحدة النهارده ويطلقها بكره هيقدر”، حسب قوله.

مينا أسعد كامل، مؤسس رابطة “حماة الإيمان” ومدرس اللاهوت الدفاعي بمعهد دراسات الكتاب المقدس، قال إن “المتنيح نيافة الأنبا يؤانس، يرى أن ما يؤكد قدسية الزواج في المسيحية ووضعه الإلهي عدم الطلاق.

ونوه إلى أن “السيد المسيح وضع هذه العقيدة فلا طلاق إلا لعلة الزنا, والمسيح نصح بالصبر على نير الزواج إلا في حالات الزنا والفجر والبغي لأنها تفسد النسل”.

مطرود من الكنيسة

”الأنبا” مرقس أسقف شبرا الخيمة، قال إن المتزوج مدنيا يحرم عليه “ممارسة الأسرار الكنسية ولا يُعمد أطفاله”.

وأوضح أن “الشخص الذي ارتضى أن يتزوج مدنيًا يكون حرم نفسه من الكنيسة بإرادته الحرة من خلال رفضه للزواج الكنسي وخروجه عن قواعد الكنيسة”، لافتا إلى إن قانون الأحوال الشخصية الجديد سيحل العديد من مشاكل المتضررين، حيث إنه سيطبق بأثر رجعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *