السودانيون يفضلون زيوت المعاصر «البدائية» على «الحديثة»

يعتز السودانيون بإرثهم في كل شئ، لا يبدأ من طقوسهم الدينية ولا ينتهي بثقافتهم الغذائية، التي تجعلهم يفضلون زيوت الطعام التي تنتجها المعاصر الشعبية المنتشرة في كبريات المدن والأرياف على تلك التي تنتجها المعاصر الحديثة.

فلا يخلو حي شعبي، في العاصمة الخرطوم، من معصرة أو أكثر يتزاحم الناس عندها صباحا ومساءً، للتزود بزيوت الطعام، غير آبهين بالعلامات التجارية الحديثة، المعروضةعلى رفوف المتاجر.

أكثر جودة

ورغم أن الطريقة البدائية لإستخلاص الزيوت من الحبوب، في المعاصر الشعبية، تخفض تكلفة الإنتاج إلا أن سعرها أغلى مما تنتجه المصانع المحلية، لأنه “أكثر جودة” كما يقول أحد العاملين في معصرة بأطراف الخرطوم.

ولا تتعدى عناصر الإنتاج في هذه المعاصر، أواني خشبية، مركبة بشكل ميكانيكي مبسط، مع ناقة تمثل محور العملية الإنتاجية.

فالناقة تربط إلى عارضة خشبية تحرك عارضة أخرى، لتطحن الحبوب الزيتية في إناء خشبي إسطواني الشكل، يتسع لربع جوال تقريباً، وينتج نحو 15 رطلاً في مدة لا تتجاوز الساعتين.(الرطل يساوي 449.28 غرامًا) .

أشهر الزوت التقليدية

وأشهر زيوت المعاصر التقليدية على الإطلاق هو الزيت المستخلص من (السمسم) وهو من أكثر الحبوب المنتجة في السودان بنحو 500 ألف طن سنويًا، وفقا لإحصائيات رسمية.

وزيت السمسم هو الذي يمنح هذه المعاصر شعبية، لكونه الأكثر إستهلاكا وسط السودانيين، حيث يتعدى استخدامه صناعة الأغذية إلى التداوي من كثير من الأمراض مثل إلتهابات الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية والتمزقات العضلية.

وما يميز زيت السمسم ويوّسع استخداماته ليس كونه خاليًا تمامًا من الكولسترول فحسب، بل لأنه يساعد في خفض نسبته في الدم لدى المصابين به.

أما ما يميز زيت السمسم المنتج في المعاصر الشعبية فهو “نقاؤه”، كما يقول محمد بريمة، الذي يدير إحدى المعاصر، ويجادل بأن “الناس يتخوفون من المواد الكيميائية التي تضاف إلى الزيوت المنتجة بالمصانع الحديثة”.

أسباب الثقة

“بريمة”، الذي كان منشغلا بترتيب بضاعته التي يعرضها على مساحة مكشوفة على جانب طريق رئيسي بأحد أحياء الخرطوم، يؤكد لـ “الأناضول” الإخبارية أن “الناس يثقون في الزيت الذي ننتجه لأنه صافي وصحي”.

وتؤيد نفيسة عوض السيد “ربة منزل”، صاحب المعصرة قائلة “زيت السمسم المنتج هنا صالح للإستعمال مدى الحياة لكن المنتج في المصانع له مدة صلاحية قصيرة ويفسده التخزين”.

ولا تقتصر الميزات على ذلك بل أن المنتج الشعبي “له نكهة ومذاق شهي”، وفقا لربة المنزل، التي ترى أن منتجات المصانع “لا طعم لها، ويمكن أن تكون نتنة بعد فترة تخزين بسيطة”، مشيرة إلى أنها تشتري زيت المعاصر، رغم أن سعره ضعف الذي تطرحه المصانع في السوق.

ويبلغ سعر الرطل في معصرة بريمة 20 جنيها أي ما يعادل 2.2 دولار تقريبا في السوق السوداء.

ومن أشهر ما تنتجه المعاصر أيضا الزيت المستخلص من حبوب الفول السوداني، والتي تنتج أيضًا بكميات كبيرة تتجاوز 700 ألف طن سنويًا.

ورغم أن حكومة الخرطوم شرعت مؤخرًا في إعداد خطط طموحة لتطوير صناعة زيوت الطعام التي يبلغ مجمل استهلاكها السنوي 250 ألف طن، يرى كثيرون أنها يمكن أن تقضي على سوق المعاصر، إلا أن بريمة يجزم بأن هذا “لا يمكن أن يحدث إلا إذا اختار الناس التنازل عن صحتهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *