محاولة مغربية لدمج السلفيين بالعملية السياسية
دخلت بعض التيارات السلفية بالمغرب إلى الحلبة السياسية من خلال بوابة الانتخابات، وهو ما سلّط الأضواء عليهم، بسبب تباين مواقفهم إزاء العملية الديمقراطية من جهة، ومساهمة السياسة في إدماج هذا المكون الذي تحوم حوله شبهة “التطرف” من جهة ثانية.
وبحسب باحثين، تحاول السلطات في الرباط، إدماج السلفيين في المشهد السياسي، للمساهمة في اعتدال من يقبل منهم، في ظل محاولات التغلب على إشكالية التطرف التي باتت تقلق دول العالم بأسره.
ويرى هؤلاء الباحثين أن مشاركة بعض التيارات السلفية في الانتخابات المحلية والجهوية المزمع تنظيمها في الرابع من الشهر المقبل، تساهم في رفع وعيهم السياسي.
وفي حديث مع وكالة “الأناضول”، قال محمد مصباح الباحث في مركز كارنيغي بالشرق الأوسط، إن مشاركة السلفيين في العملية السياسية المغربية “تعرف ديناميكية، خصوصاً وأن الدولة تريد إدماجهم في هذه العملية، وهو ما سيساهم في اعتدال جزء منهم”.
وأضاف مصباح أن “مشاركة السلفيين في الانتخابات المحلية والجهوية المقبلة، تشكل تمريناً سياسياً لهم، ممكن أن يساعدهم مثلاً على تشكيل أحزاب سياسية مستقبلاً، وتقوية حضورهم في هذا المشهد”.
ورأى أن مشاركتهم في العملية الانتخابية وانخراطهم في المشهد السياسي “سيعمل على رفع الوعي السياسي لهذه الشريحة خصوصاً أنهم كانوا قبل 2011 غير معنيين بها، ومنذ ذلك الحين شاركوا في التصويت على دستور البلاد، والانتخابات التشريعية في العام نفسه”.
وأشار مصباح إلى أن “تشتت أصوات السلفيين ومقاطعة جزء منهم للانتخابات سيؤدي إلى إضعافهم أكثر فأكثر، ولن يكون لهم تأثير حاسم في النتيجة النهائية لهذه الانتخابات”.
ولفت الباحث إلى أن “قوة السلفيين سوف تتشتت وتتفرق بسبب توجهاتهم المختلفة، وهو ما سيؤدي إلى عدم اسماع صوتهم بشكل كبير”، موضحاً أنه يمكن التمييز بين 3 تيارات للسلفيين إزاء الانتخابات المقبلة، الأول سيقاطع الانتخابات، أما التيار الثاني فهو حماد القباج ( شيخ سلفي يقيم بمدينة مراكش) الذي سيصوت لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
فيما الثالث المرتبط بالسلفيين الذين ينتمون لبعض الأحزاب والذين سيصوتون لأحزابهم، مثل حزب “النهضة والفضيلة”، وحزب “الديمقراطيين الجدد”، و حزب “الحركة الديمقراطية الاجتماعية”، وفق الباحث نفسه.
ويوافق الرأي السابق، عبد الحكيم أبو اللوز، الباحث المغربي في الشأن الديني والسلفية، الذي قال إن “التجارب الدولية تبين أن محاربة الارهاب والتطرف تتم بدفع السلفيين إلى العمل السياسي والثقافي والاجتماعي”.
ودعا أبو اللوز في حديث للأناضول إلى ضرورة فتح المجال للسلفيين من أحل المشاركة في العمل السياسي، وقال إن “المُفرج عنهم، يؤكدون أنهم قاموا بمراجعات فكرية، من خلال المشاركة في الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى عملهم السياسي الذي يمكن أن يساهم في إيجاد حل لملف السلفية بشكل عام”.
ورأى أن “الموقف العملي من مشاركة السلفيين بالانتخابات مختلف، إذ أن هناك أطراف من متزعمي السلفية دعوا إلى التصويت ومساندة بعض الأحزاب التي ينتمون إليها”.
وتابع قائلاً ” السلفيون الآن يراهنون على إعادة فتح دور القرآن التي تم إغلاقها سابقًا، وإبداء نوع من الليونة من طرف الدولة حيال تيارهم، خصوصاً أن السلطات تريد أن يكون لهذا التيار دور في المشهد السياسي”، مشيراً إلى أن جزء من السلفيين يعتبرون أن دورهم يتمثل في الدعوة، وليس في العمل السياسي.
وخلال الانتخابات التشريعية لعام 2011 صوتت بعض التيارات السلفية لصالح حزب العدالة والتنمية، واليوم يعمل المنتمين منهم لبعض الأحزاب على الدعوة للتصويت لهذه الأحزاب.
وفي يونيو/حزيران 2013 ، قرر 5 من رموز التيار السلفي المغربي، الانضمام إلى حزب النهضة والفضيلة، كما التحق آخرون بحزب “الحركة الديمقراطية الاجتماعية” أبرزهم عبد الكريم الشاذلي، الذي سبق أن حُكم عليه بـ30 سنة سجناً، على خلفية أحداث 16 مايو/أيار 2003 ، حيث قضى منها 8 سنوات، وحصل على عفو ملكي عام 2011.
عبد الرحمان المغراوي (شيخ سلفي يقيم بمدينة مراكش، ويدير مجموعة من دور القرآن)، دعا أنصاره إلى التصويت للأصلح من الفاعلين السياسيين، في الاستحقاق الانتخابي المقبل.
وقال المغراوي: ” نؤكد دعمنا لكل الفاعلين السياسيين النزيهين والصادقين في خدمة الدين والوطن، وندعو للتصويت على الأصلح منهم تحقيقاً لما أمكن من المصالح، وتقليلاً للشر”.
ورأى أن هذا التصويت “من الشهادة التي ينبغي أداؤها ما دامت الانتخابات تجرى في جو من النزاهة والشفافية”.
بدوره، انتقد حماد القباج، أحد رموز السلفية بالمغرب، بعض الشيوخ الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات، وقال في مقال له نُشر على موقعه الالكتروني على شبكة الإنترنت: “من الظواهر التي تحزنني وتؤرقني حين أحاول فهمها واستجلاء أسبابها؛ ظاهرة بعض الشيوخ، وطلبة العلم الذين يتبنون رأي اعتزال السياسة المعاصرة وما يتمخض عنها من انتخابات وغيره”.
يذكر أنه في عام 2013 تم إغلاق بعض دور وكتاتيب القرآن، بذريعة أنها غير تابعة لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية.
وكانت تفجيرات هزت مدينة الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب ) في 16 مايو/آيار 2003، أودت بحياة نحو 45 شخصاً بينهم 12 من منفذي التفجيرات و8 أوروبيين.
وعلى إثر هذه التفجيرات اعتقلت السلطات المغربية، المئات من الأشخاص بتهمة الانتماء لتيار “السلفية الجهادية”، وتمت محاكمتهم بموجب قانون “الإرهاب” الصادر عام 2003، حيث صدرت ضدهم أحكام وصفها أهالي المعتقلين بالمشددة.
وفي 25 مارس /آذار 2011، وقعت السلطات اتفاقية مع ممثلين عن المعتقلين تقضي بالإفراج عنهم عبر دفعات.
وبموجب هذه الاتفاقية، أُفرج عن عدد من المعتقلين بينهم رموز للـتيار السلفي، غير أن العدد الأكبر ما يزال قابعاً في السجون.