ترشح خيرت الشاطر لرئاسة مصر
لم يصدمني كثيراً خبر إعلان ترشيح جماعة الإخوان المسلمون للمهندس خيرت الشاطر رئيساً للجمهورية عن ”حزب” الحرية والعدالة ذلك أن العديد من الشواهد كانت تؤكد أن الجماعة ماضية في طريقها لترشيحه هو بالذات دون غيره سواء برضا بعض قياداتها او دفع إلى هذا القرار البعض الآخر.
ولعلي اليوم استطيع أن أتصور حجم الطعنة التي شعر بها رفيق دربه وأحد أعمدة العمل الإسلامي في الجامعات المصرية في حقبة السبعينيات الدكتور محمد عبد المنعم ابو الفتوح والذي لابد وانه فهم اليوم فقط لماذا تم فصله من الجماعة واتهامه بأنه خان العهد مع الله.
ففي تقديري حاولت الجماعة بذل اقصى الجهد لإسقاط بل وتحطيم نموذج عبد المنعم ابو الفتوح داخل وخارج الجماعة، لأن نجاحه يعني أن هناك شيئ خاطئ في منهج وفكر وايديولوجية الجماعة وفشله يعني بالضرورة التأكيد على فكرة الجماعة المباركة التي تستمد العون والسداد والرشاد في حركتها من الله و ببركة الصالحين فيها وانها على مدى التاريخ تلفظ خارجها من بداخله حظ لنفسه أو لطموحاته الشخصية.
حاولت الجماعة الدفع ببعض المرشحين علهم أن يسحبوا البساط من تحت قدمي الرجل وفشل هؤلاء في ذلك وحاولوا بالتهديد والوعيد بالتحقيق تارة والتهديد بالفصل تارة لبعض أفرادها من الشباب الذين التفوا حول أبو الفتوح وفشلوا أيضاً فما كان منهم إلا دفعوا بآخر أوراقهم وهو الرجل القوي والحاكم الفعلي للجماعة منذ عدة سنوات والممول الرئيسي لها .. خيرت الشاطر.
والخلاف بين الجماعة وأبو الفتوح وتحديداً بين محمود عزت وخيرت الشاطر ومن على شاكلتهما ممن يمثلون التيار المتشدد داخل الجماعة خلاف عميق للغاية ربما يكون أعمق من الخلاف مع الدكتور محمد حبيب أو مع ابراهيم الزعفراني أو مع مختار نوح أو حتى مع ابو العلا ماضي، ذلك أن أبو الفتوح لا يمثل نفسه فقط وإنما يمثل تيار التجديد داخل الجماعة وهو في هذه المرة تيار له ايديولوجية واضحة تماما ومحددة ولها معالم ومنهاج وخطة، تيار يدعو إلى إنهاء الشكل العسكري للجماعة من كتائب ومعسكرات تقشفية وسمع وطاعة وهي أمور لا تحدث إلا في النتظيمات العسكرية التي تربي جنودها على عدم مناقشة الأوامر خوفا من الانشقاق وعلى السمع والطاعة وقولبتها في إطار ديني يجعل العضو يراجع نفسه ملايين المرات خشية أن تتنزل عليه لعائن القيادة لمخالفته أو حتى مناقشة أحد السابقين الأولين من قادة الجماعة.
وبناء على ما سبق فإن فوز أبو الفتوح بمنصب أول رئيس بعد الثورة المصرية يعد تكريساً لفشل منهاج الجماعة العسكري والمنغلق ويعطي دفعة في غاية القوة للعناصر الشابة المنفتحة والفاعلة داخل الجماعة لأن تتحرر من قيودها لتغير من شكل الجماعة وتقدم أطروحات جديدة تغير من شكل أقدم الجماعات الإسلامية في العالم العربي وربما الإسلامي وربما الأخطر أن هذا النجاح سيسقط فكرة أن من فارق ضل وغوى وأن الله تعالى يبارك هذه الجماعة باعتبارها أحد جماعات المسلمين المؤيدة بالحديث النبوي الشريف (حديث جماعة المسلمين) وبالتالي فإن الانتخابات لهذه الجماعة والخروج منها ليس مجرد مسألة بشرية وإنما هو خيار إلهي.
وربما من أكثر ما أثار حفيظتي خلال متابعة بيان مجلس شورى الجماعة هو ماقيل عن اختيار أحد أفراد الجماعة الذي يعبر عن توجهاتها وأفكارها لأن كل من على الساحة لا يعبرون عن الفكرة الإسلامية كما تراها الجماعة، وكان ابو الفتوح لمجرد خلافه الفكري وليس الديني مع الجماعة قد صار من أتباع الكنفوشسية او الزرادشتية وهو الرجل الذي قضى شبابه وجزءاً من كهولته في هذه الجماعة بل وساهم في نهضتهما من جديد! وربما يعطي هذا فكرة لدى البعض عن رؤية أغلب من بداخل الجماعة لمن فارقها.
ورغم ما سبق إلا اني لا أحب أن أقصر دوافع الجماعة (التي ترى الحفاظ على كيانها أهم من وحدة مصر ذاتها) على محاربة عبد المنعم أبو الفتوح الفكرة، بل إنها كعادتها براجماتية تعودت أن تكسب من كل موقف تتخذه على أكثر من صعيد، فمثلاً تحاول الجماعة أن تصدر للشعب المصري فكرة أن البرلمان الذي انتخبتموه بعد كل هذه الدماء يقف عاجزاً عن خدمتكم بسبب تعنت المجلس العسكري والحكومة التي أولاها المسئولية (لاحظ أنها الحكومة ذاتها التي وقفت ضدها أغلب التيارات الثورية عدا تيار أغلبية المجلس) وبالتالي تنفي عن نفسها تهمة الفشل في الرقابة والتشريعومحاولة تخفيف أعباء المواطن وتحملها لطرف آخر أياً كان هذا الطرف وحبذا لو كان طرفاً يلقي عليه الجميع اليوم باللائمة على ما آلت اليه أحوال البلاد.
أيضا ربما يكون من أحد العوامل الهامة لطرح اسم خيرت الشاطر في هذا التوقيت محاولة الجماعة صرف الأنظار عن معركة اللجنة التاسيسية لكتابة الدستور بكل ما تحويه من معارك فكرية وسياسية وحتى دينية.
وقد تكون محاولة من الجماعة لإرسال رسالة إلى شباب الثورة الذين صاروا يتشككون من نوايا الجماعة الذين يؤكدون على مسالة الصفقة مع المجلس العسكري، بأننا لا زلنا معكم إلى جانبكم وأننا ما زلنا معكم في صفوف الثوار.
وأيضا تحاول الجماعة تصدير فكرة أن ترشيحها للرجل جاء بعد الهلع من تزايد عدد المرشحين للرئاسة والمحسوبين على النظام السابق مثل الفريق أحمد شفيق واللواء عمر سليمان والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، وكأن المصريين لا زالوا أطفالاً لا يعون الفارق بين مرشح وآخر ولن تهنأ لهم حياة ولن يتنفسوا الصعداء حتى يأتي مرشح الجماعة ليأخذ بأيديهم الى السعادة والهناء.
وخلاصة القول أن هناك تياراً ليس بالضعيف داخل الجماعة يرى أن هذا العصر هو عصر التمكين وأن الجماعة بلغت قدراً من التاثير في المجتمع جعلها تؤثر على نتيجة الاستفتاء في 19 مارس ثم في انتخابات البرلمان اضافة إلى أنها ستضع دستور مصر بعد الثورة في وجود بعض الوجوه الاخرى المتواجدة بهدف التمثيل المشرف وإضفاء صبغة المشروعية والتعدد على اللجنة التي ستضع الدستور، أما والحال هكذا فلم لا نقم بالقفز على قابل الأيام ونحكم مصر ونحن الاحق والولى بعد كل ما عانيناه خلال العقود السابقة لتصبح مصر طليعة (استاذية العالم).
وفي الحقيقة فإن المشهد في المستقبل سيتسم بقدر كبير من العبثية إن فاز الشاطر بالمنصب: فلدينا برلمان إخوانى سيحاسب الحكومة الإخوانية والنقابات الإخوانية بنص الدستور الإخواني ليأتي الرئيس الإخواني حكماً فى المنتصف بين كافة السلطات الإخوانية !!! ألا يذكركم هذا الموقف العبثي بشئ ما ؟!