اقتصاد

رويترز: مستثمرو الخليج يتطلعون لمصر ما بعد الثورة

بعد تجنبهم العمل فى مصر لأكثر من عام بسبب عدم الاستقرار السياسى يعود المستثمرون الخليجيون إليها تغريهم مؤشرات على تسوية الأوضاع السياسية وفرض لشراء أصول بأسعار بخسة.
ويعد اهتمام مستثمرى الخليج وهم أكثر دراية بديناميكيات السياسة وثقافة الأعمال فى مصر من المستثمرين الأجانب بادرة إيجابية لاقتصاد البلاد المنهك لاسيما أن بعض الشركات الغربية تنسحب من مصر بسبب الضغوط المالية فى أسواقها المحلية.
يقول ديكلان هايز العضو المنتدب لخدمات الصفقات فى ديلويت الشرق الأوسط للاستشارات: “هناك تحسن جديد فى إقبال مستثمرى الخليج على مصر هذا العام، لا ينحصر هذا فى صناعة المال بل يمتد إلى مختلف القطاعات”.
ولا تزال آفاق الاقتصاد المصرى فى الأجل القريب غائمة، فلم يشهد الاقتصاد نموا يذكر العام الماضى بسبب الإضرابات العمالية وهروب رؤوس الأموال الذى أعقب الإطاحة بالرئيس السابق حسنى مبارك فى فبراير 2011، ويتوقع صندوق النقد الدولى ألا يتجاوز النمو 1.5% هذا العام، وهى نسبة لا تكفى حتى لتخفيف حدة البطالة المرتفعة.
ويواجه الرئيس المصرى الإسلامى الجديد محمد مرسى الذى انتخب فى يونيو توترات بين جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى إليها والجيش، ولم تتمكن مصر بعد من كتابة دستور جديد ومن المقرر إجراء انتخابات برلمانية جديدة بعد أن حلت المحكمة الدستورية العليا مجلس الشعب فى وقت سابق من العام.
ومع ذلك يبدو أن كثيرا من المستثمرين الخليجيين يرغبون فى تحمل مثل هذه المخاطر لأنهم يظنون أن انتخاب مرسى يمثل بداية على الأقل لحل المشكلات.
وأعاد مرسى تحديد علاقته مع الجيش بعد أن أحال أكبر قائدين عسكريين للتقاعد، كما اتخذ خطوة سياسية شجاعة حينما طلب من صندوق النقد قرضا بقيمة 4.8 مليار دولار وهو ما يزيد عن قرض قيمته 3.2 مليار كانت القاهرة تتفاوض بشأنه فيما سبق، وقام بزيارة الصين الشهر الماضى لبحث فرص الاستثمار.
وذكر أحمد بدر الدين الشريك الرئيسى والرئيس المشارك فى أبراج كابيتال وهى أكبر شركة للاستثمار المباشر فى المنطقة، ومقرها دبى “خلّفت خطوات الرئيس الأخيرة لتجديد قيادة الجيش والتغلب على جمود سياسى محتمل حالة من الثقة”.
وأضاف “الزيارة إلى الصين تعد أحد الأمثلة على تأكيد رسالة مفادها أن مصر ترحب بأنشطة الأعمال وأن حقوق المستثمرين ستكون محفوظة ومصانة.”
والشهر الماضى وافقت معامل البرج وهى شركة مصرية ضمن محفظة أبراج على الاندماج مع معامل المختبر لخلق ما قالت إنه سيكون أكبر مؤسسة للتشخيص الطبى فى الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
ومن بين المؤشرات على تحسن الثقة فى مناخ الأعمال انتعاش البورصة المصرية التى قفزت هذا الأسبوع لأعلى مستوياتها منذ يونيو 2011 ووصلت مكاسبها منذ بداية العام إلى 53 % بالرغم من أنها لا تزال أقل بنسبة 24 % عن الذروة التى بلغتها العام الماضي. ويبدو أن الاختيارات الأسهل للمستثمرين الخليجيين فى مصر ستتمثل فى العمليات المصرفية التى تطرحها للبيع بنوك أوروبية تقلص عملياتها على مستوى العالم، أما المصارف الخليجية التى تتمتع بسيولة ضخمة بسبب ارتفاع أسعار النفط فلا تحتاج للسعى وراء أرباح قريبة الأجل فى مصر فبمقدورها أن تعول على النمو السكانى لمصر فى تحقيق أرباح فى الأجل الطويل.
وقال بنك سوسيتيه جنرال الفرنسى الأسبوع الماضى إنه بدأ محادثات تمهيدية مع بنك قطر الوطنى لبيع حصة 77.2 % فى وحدته المصرية البنك الأهلى سوسيتيه جنرال.
وقال بنك الاستثمار المصرى المجموعة المالية هيرميس إن قطر الوطنى قد يضطر لتقديم عرض الزامى لمساهمى الأقلية وهو ما سيفضى لاستحواذه على البنك بأكمله وأضاف أن البنك القطرى قد يدفع ما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار مقابل الاستحواذ على الوحدة المصرية من سوسيتيه جنرال.
وذكرت مصادر مطلعة أن بنكا فرنسيا آخر هو بي.ان.بى باريبا يسعى إلى بيع وحدته المصرية التى يمكن أن تدر ما بين 400 و500 مليون دولار.
وذكر مصرفيون أن الاهتمام بهذه الصفقة يأتى فى الأساس من بنوك فى دولة الإمارات العربية والكويت وقطر فضلا عن تركيا لكنهم أحجموا عن تسمية هذه البنوك إذ أنهم غير مخولين بالحديث مع وسائل الإعلام.
وقال مصرفى مقيم فى دبى “نبلغ عملاءنا فى الخليج إن هذه ربما تكون أفضل فرصة بالنسبة لهم على الإطلاق لدخول مصر من خلال شراء أصول نوعية بأسعار مغرية.”
فى الوقت نفسه تعتزم كيو انفست -وهى شركة استثمار قطرية تملك الدولة جزءا منها- الاستحواذ على المجموعة المالية هيرميس بعد أن حرمت التوترات الاقتصادية فى العام الماضى هيرميس من القدرة على التوسع فى أنحاء المنطقة.
كما أن هناك قطاعات أخرى غير البنوك مثيرة للاهتمام إذ يتوقع المستثمرون أن تعزز حكومة مرسى مشروعات البنية التحتية وتنتهج سياسات رامية لتعزيز إنفاق السكان البالغ عددهم نحو 80 مليون نسمة غالبيتهم من الشباب. وسيتم تمويل بعض المشروعات من قبل حكومات خليجية إذ تعهدت السعودية وقطر فى الأسابيع القليلة الماضية بتقديم مليارات الدولارات لمساعدة مصر.
يقول هايز من ديلويت “لا ينحصر الاهتمام فى الصناعة المالية فقط بل يمتد إلى قطاعات أخرى بينها الطاقة والنفط والغاز والسلع الاستهلاكية وفى بعض الحالات الاستثمارات المتعلقة بالطاقة المتجددة.”.
واشترت مجموعة صافولا الغذائية السعودية الحصص المتبقية التى لا تمتلكها فى شركتين مصريتين أواخر العام الماضى فى اطار خطة توسع إقليمية.
وخلال مقابلة فى أبريل نيسان قال المدير التنفيذى لشركة أموال الخليج للاستثمار المباشر ومقرها السعودية التى تمتلك حصصا فى شركات مصرية مثل العربية لحليج الأقطان أن شركته تتطلع لاستثمارات جديدة فى مصر.
والبنية الأساسية قطاع آخر من المتوقع أن يقتحمه المستثمرون الخليجيون إذا ما تمكنت القاهرة من تقديم المساندة الادارية والحماية القانونية اللازمة.
وقال بدر الدين من أبراج “مستقبلا ومع حاجات مصر المتزايدة من البنية التحتية من الطرق إلى محطات الكهرباء نتوقع زيادة مساهمة المستثمرين العرب والأجانب فى هذه القطاعات لاسيما فى حال وضع اطار عمل ملزم للشراكة بين القطاعين العام والخاص.”
وحتى تتضح معالم سياسات مصر ما بعد الثورة ستبقى البلاد تنطوى على مخاطر فى أعين المستثمرين. وقال مصرفى يعمل فى عمليات الاندماج والاستحواذ فى مصر إنه بالرغم من تحسن الاهتمام بالاندماجات والاستحواذات بشكل عام فى مصر فانه لا يزال أقل بكثير عن مستواه فى عام 2010 قبل اندلاع الثورة.
وقال المصرفى المقيم فى دبى “هناك دائما علاوة مخاطر للاستثمارات فى مصر. يدرك المستثمرون أنه بالرغم من وجود الاستقرار حاليا فان البلاد لم تنهض من عثرتها بعد.”
ومن بين المخاطر الرئيسية الأخرى خفض قيمة الجنيه المصرى الذى يمكن أن يقلل قيمة الاستثمارات فى مصر.
وحتى الآن يبيع البنك المركزى المصرى احتياطياته من النقد الأجنبى لمنع أى انخفاض حاد فى قيمه الجنيه الذى نزل لأقل مستوى فى سبع سنوات عند 6.1 جنيه للدولار من 5.8 جنيه قبل اندلاع الثورة.
ومع ذلك أدى الدفاع عن الجنيه إلى خفض احتياطات النقد الأجنبى لمصر بأكثر من النصف ويعتقد كثير من المحللين أن البنك المركزى قد يسمح فى نهاية المطاف بخفض كبير لقيمة الجنيه هذا العام أو بداية العام المقبل ربما إلى 6.5 جنيه أو 7.0 جنيهات للدولار.ولكن من خلال مساعدات من صندوق النقد ودول خليجية قد تتمكن مصر من الإفلات من عملية خفض مفاجئة وغير محكومة لقيمة عملتها ويكون بمقدورها خفض قيمة الجنيه ببطء لتشجيع الصادرات. ويقول كثير من المصرفيين إن معظم المستثمرين الأجانب قد يتقبلوا عملية كهذه ولن تدفعهم للإحجام عن الدخول فى عمليات استحواذ.
يقول أيبك اسلاموف المحلل لدى اتش.اس.بي.سى “ربما تكون عملية خفض للعملة محكومة وخاضعة للسيطرة وإذا ما حدث ذلك ستظل العوامل الأساسية للقطاع المصرفى المصرى قوية.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى