الاقتصاد يدفع فاتورة الذكرى الثانية للثورة.. مستثمرون أجانب يفرون من «
تعرض الاقتصاد المصرى فى ثورة 25 يناير عام 2011 لنزيف هائل من الاحتياطى النقدى أضاع نصفه تقريبا بعد أن كان 36 مليار دولار فى فبراير 2011، وزيادة أعباء البطالة وتكبد قطاع السياحة خسائر طائلة فى الشهور الأولى من الثورة لما شهدته البلاد من حالة انفلات أمنى واسعة، ومع الذكرى الثانية للثورة ارتفعت الفاتورة الاقتصادية مجددا، مع زيادة عبء قرض صندوق النقد الدولى الذى تسعى مصر للحصول عليه، ولكن الظروف السياسية تقف عائقا أمام تحقيق هذا المطلب، وهنا رصد مبسط لما جناه الاقتصاد من وراء السياسة.
قرض صندوق النقد.. الحائر بين تفاؤل الحكومة وكآبة المشهد السياسى
رغم تأكيدات كثير من مسؤولى الحكومة المصرية أن مفاوضاتها مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، إلا أن هذا التفاؤل لن ينتقل بسهولة لمسؤولى الصندوق، فهم يكتفون فقط بالتأكيد على مساندتهم لمصر فى وضعها الاقتصادى الحالى، دون أن يخفوا قلقهم، مما يحدث على صعيد السياسة دون أن يلقوا بالاً لحالة الثقة المفرطة لدى المسؤولين الحكوميين.
فرغم كل تلك المخاوف نجد هانى قدرى، مساعد أول وزير المالية، مسؤول ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولى، أن الاتصالات مع خبراء صندوق النقد الدولى لم تتوقف، وهى مستمرة على جميع المستويات لحين الانتهاء من التعديلات على مكونات برنامج الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى وتنقيحه بتوصيات نتائج الحوار المجتمعى، وقال إنها «لا تزال جارية ولم يتم الانتهاء منها»، وقال: إن صندوق النقد لم يربط إنهاء المفاوضات والتوقيع بسلمية ذكرى انتفاضة 25 يناير، كما يتردد حالياً، وأوضح أن تراجع الاحتياطى الأجنبى دون 16 مليار دولار وهبوط سعر صرف الجنيه ناتجان عن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسى.
وتواجه الحكومة المصرية تحديا كبيرا خلال المرحلة الحالية، فيما يتعلق بالملف الاقتصادى المتعثر بعد تأجيل صندوق النقد الدولى زيارته إلى مصر لأجل غير مسمى، التى كان مقررًا لها الأسبوع القادم لاتخاذ القرار النهائى بشأن القرض المزمع منحه لمصر والمقدر بنحو 4.8 مليار دولار فى حالة الموافقة النهائية عليه من مجلس إدارة الصندوق بعد تصاعد وتيرة العنف فى الشارع المصرى. وأكدت وزارة المالية أن هناك اتصالات مستمرة بين الوزارة وصندوق النقد الدولى حتى بعد اندلاع الأحداث، إلا أن استمرار الوضع الحالى على ما هو عليه قد يهدد بفشل هذه الجولة من المفاوضات، لافتة إلى أن مصر فى أشد الحاجة لهذا القرض ليس من الناحية المالية فحسب، وإنما تنظر إليه الحكومة على أنه شهادة على قدرة الاقتصاد المصرى على النهوض وجدارته الائتمانية، وفى حالة رفضه سيكون الوضع شديد السوء.
اشتعال أسعار الأغذية.. وأزمة النقل بالقناة
تأثرت أسعار السلع الأساسية بالأحداث التى اندلعت تزامنا مع إحياء الذكرى الثانية للثورة، وأعقبها التوتر فى محافظات القناة وحظر التجول الذى فرض عليها وأثر فى حركة النقل لسلع غذائية تنتجها تلك المحافظات، وأصاب الأسواق حالة من الركود المصحوب بارتفاع الأسعار.
سيد شلبى، أحد تجار الأسماك بسوق العبور، أكد أن سيارات نقل البضائع تعانى من عدم قدرتها على الخروج من محافظتى السويس وبورسعيد بسبب غلق القوات المسلحة والشرطة الطرق المؤدية لخارجها، كما أن الصيادين والتجار فى محافظة الإسكندرية امتنعوا عن توريد كميات السمك المطلوبة للسوق عامة ولمحافظات القناة بشكل خاص، خوفًا من تحمل خسائر مالية كبيرة بسبب الوضع والمظاهرات، كما أن التجار بالمحافظات المفروض عليها حظر تجول تكبدت خسائر فى اليومين الماضيين، وهو ما يضر بالاستثمارات فى هذا المجال. وأكد سيد شلبى، أن الأسواق تأثرت بسبب تعطل حركة السياحة، وتأثراً بالأوضاع السياسية الحالية، وأنها تشهد حالة من ركود عمليتى البيع والشراء، داخل السوق سواء بنظام القطاعى أو الجملة متأثرتين بالأوضاع فى الشارع والتوتر السياسى، بسبب تأثيرات المظاهرات السياسية الأخيرة على الأوضاع الاقتصادية، وأن غلق محال الأسماك بسوق العبور مستمر حتى الآن، وأن التجار الذين اتخذوا قرار الغلق، وهو واحد منهم، سيعاودون فتح تجارتهم فور هدوء الأوضاع السياسية حتى لا يؤدى ركود حركة المبيعات لخسائر كبيرة لهم، وتكدست الخضروات عند تجار سوق العبور بعد تعثر نقل بعضها إلى محافظات القناة، وهو ما انعكس على مبيعات الخضروات، وسط مخاوف من التجار من استمرار الأوضاع الأمنية على هذا النحو مما سيتسبب فى فساد المنتجات الزراعية، وتوقع التجار ثبات معظم أسعار الخضروات، مع ضعف القوة الشرائية نتيجة للأحداث التى تشهدها البلاد.
وقال الدكتور عبدالخالق فاروق، رئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، لـ«اليوم السابع»: إن الحل يكمن فى ضرورة جلوس القوى السياسية المتناحرة إلى مائدة الحوار للعبور من الأزمة السياسية الحالية التى تؤثر على كل أوجه النشاط الاقتصادى.
أعين الأسواق العالمية تراقب «قناة السويس»
يسود القلق الأسواق العالمية بسبب الاضطرابات التى تهدد قناة السويس، والذى يعد أهم ممر ملاحى لتجارة النفط فى العالم، على خلفية الأحداث الدامية التى تشهدها مدن القناة الأسبوع الماضى.
وبرغم تأكيدات هيئة قناة السويس على استقرار حركة الملاحة فى قناة السويس وعدم تأثرها، فإن الإذاعة الفرنسية حذرت من تأثير استمرار التوتر الحادث على ضفاف قناة السويس على الاقتصاد العالمى.
وتعد قناة السويس من أهم مصادر العملة الصعبة والدخل القومى فى مصر، حيث تدر دخلا سنويا يزيد على 5 مليارات دولار، وبلغت إيراداتها فى شهر ديسمبر الماضى 424.6 مليون دولار، ولم يستبعد المحللون الدوليون زيادة أسعار النفط على خلفية الاضطرابات حول القناة، فضلا عن عدم الاستقرار فى العراق وإيران وليبيا ونيجيريا وفنزويلا.
وكانت قناة السويس المصدر الوحيد الباقى للدولة، وهى الآن مهددة دوليا، فمع كل أزمة ترتفع تكلفة المرور، مما يؤدى إلى انخفاض معدل السفن التى تمر فى القناة ويقل الدخل تباعا. أحد الخبراء وصف الأمر قائلا: «حظر التجول عكس خطر الوضع الداخلى أمام البلدان الخارجية، وأننا غير قادرين على احتواء الأزمة، فاتجهنا إلى فرض حظر التجول»، مضيفا أن «التجارة والملاحة تتحقق بالاستقرار، فبالتالى الوضع لا يشير إلى أى استقرار فى البلاد».
وقال مركز المعلومات و دعم اتخاذ القرار فى آخر تقرير له عن المؤشرات الاقتصادية إن إيرادات قناة السويس انخفضت فى نوفمبر الماضى بنسبة %6.7، وقدر التقرير الشهرى لمركز معلومات مجلس الوزراء اليوم أن إيرادات القناة بلغت 407 ملايين دولار فقط فى ذات الشهر.
البورصة أول «المجروحين» والمؤشرات تتعرض للتراجع
خسر رأس المال السوقى للأسهم المقيدة بالبورصة 4.07 مليار جنيه اليوم، بسبب استمرار الاشتباكات فى عدد من المحافظات وفرض الطوارئ فى مدن القناة.
وتتعرض البورصة المصرية لموجة عالية من التراجع فى الذكرى الثانية لإغلاقها لمدة استمرت لنحو 39 جلسة متتالية أثناء أحداث ثورة 25 يناير 2011، مع تكرار ظروف وأحداث مشابهة بعد عامين من الثورة، خصوصا فى ظل الاشتباكات العنيفة فى مختلف محافظات الجمهورية، فإلى أين تتجه البورصة؟
ومن جانبها قالت الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن شهر يناير شهد تقلبات واضحة، مما أدى لحدوث تناقص فى السيولة الموجهة للاستثمار فى الأسهم، بالإضافة إلى أن التحديات الاقتصادية والتوترات فى الساحة السياسية والأمنية كانت تمثل عوامل ضغط على القرارات الاستثمارية للمتعاملين. وعكست مؤشرات أداء البورصة المصرية خلال الشهر مخاوف المتعاملين نتيجة التوترات السياسية، مما أثار مخاوف المستثمرين فالأحداث التى تشهدها البلاد، وانتشار حالة عدم الاستقرار جعلت من الطبيعى أن تكون القرارات الاستثمارية للمتعاملين فى السوق فى بعض الأوقات عشوائية وغير مدروسة، وذلك بسبب غموض الرؤية المستقبلية.
انهيار السياحة..3 مليارات دولار خسائر.. بعد الاعتداء على الفنادق
استمرار أعمال العنف والتوتر الأمنى منذ الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة الخامس والعشرين من يناير، وما تبعها من حوادث اعتداء متكررة على بعض الفنادق خصوصا القريبة من مواقع الأحداث الملتهبة، انعكس سلبيا على الحركة السياحية «الضعيفة أصلا» والوافدة إلى مصر، وألقت بظلالها على صورة المقصد السياحى المصرى فى مؤتمرات الترويج الدولية التى يتم عن طريقها توقيع العقود بين شركات السياحة المصرية ومنظمى الرحلات الأجنبية.
التأثير السلبى للتوترات السياسية ظهر بوضوح فى امتناع منظمى الرحلات من الأجانب عن توقيع أى عقود أو حجوزات جديدة إلى مصر خلال موسم الصيف القادم نهائيا، وهو ما أكده على غنيم، عضو اتحاد الغرف السياحية، حيث أصبح انطباع منظمى الرحلات الأجنبية نحو مصر سيئا جدا، حيث يرى المنظمون أن مصر بها حرب أهلية وقاموا بإلغاء كل البرامج الخاصة بمصر والتى كان من المتوقع أن يتم الترويج لها خلال الفعاليات المختلفة، وكذلك كل الدول المصدرة للسياحة لمصر أصبحت تُحجِم عن توقيع أى عقود جديدة لموسم الصيف القادم، ومن بين هذه الدول إسبانيا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. وأكد اتحاد الغرف السياحية أن 3 مليارات دولار هى إجمالى الخسائر المتوقعة، بسبب الأحداث الحالية، وعدم توقيع العقود التى كان من المنتظر أن تتم خلال هذه الأيام.
وقال الخبير الاقتصادى مختار شريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، إن أحداث العنف الحالية لم تؤدِّ فقط إلى إلغاء حجوزات السياح الأجانب، التى كان من المتوقع قدومها لمصر خلال يناير وفبراير، بل أدت أيضا إلى عدم رغبة منظمى الرحلات فى توقيع حجوزات جديدة، وأن نسب الإلغاءات الآن كبيرة جدا، ولكننا لن نستطيع تحديد الحجم الحقيقى لها إلا مع نهاية الشهر الحالى وتوقف الاضطرابات.
مستثمرون أجانب يفرون من «طاعون السياسة» المصرى خوفاً من سيناريوهات الفوضى
لم تصبح رؤوس الأموال الأجنبية «شجاعة» بالقدر الكافى لتتحمل جزءا من فاتورة الاضطراب السياسى، وهو ما اعتبره البعض حقا مشروعا لهؤلاء المستثمرين الذين يخشون على أموالهم من الضياع بين طرفى الصراع السياسى، واعتبرت الدكتورة عبلة عبدالحميد، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، أن الظروف التى تمر بها مصر مؤشرًا طبيعيًا، وأن التداعيات التى ألقت ومازالت تلقى بظلالها على الوضع الاقتصادى تعد صحية، لافتة إلى أن الاقتصاد المصرى ومن أهم روافده الاستثمارات الأجنبية، ومدى تدفقها بعد مرور عامين على ثورة 25 يناير التى بات الشعب من خلالها فى ظل نظام جديد لابد أن يتأثر بشكل أو آخر.
وأشارت إلى أن الاستثمارات الأجنبية لا تتأثر بشكل مباشر أو رد فعل سريع أو لحظى وأن هذا النوع من الاستثمار يبدو فى شكلين، أولهما من يتخذ سياسة الانتظار بسبب عدم الاستقرار الحادث بالبلاد، وثانيهما لا ينتظر بل يأتى باستثماراته على الفور لتوقعه الكبير بأن ما يحدث متوقع بعد ثورة من أول أهدافها الإطاحة بنظام فاسد حكم طويلا، مؤكدة أن تلك الفرص الاستثمارية تعلم جيدا من خلال دراستها السوقية مدى الأرباح التى تحققها من جراء العمل داخل أسواق مصر لتوفر العديد من المميزات التى يتصف بها المناخ المصرى من توفر القوى العاملة البشرية المدربة وما لمصر من موقع استراتيجى هام بين دول العالم أجمع بجانب التنافسية المصرية برغم ما يمر بها من كبوات وأزمات لكنها ستمر وتنقشع فى النهاية.
وأضافت أن هناك مجالات عدة منها بصناعة النسيج وكذا بمجال الإلكترونيات وتقنيات الاتصال مثل سامسونج التى تقوم باستثمارات هائلة مؤخرا بصعيد مصر، مرجعة ذلك إلى وجود أكثر من صنف من المستثمرين ممن لديهم رغبة فى المخاطرة، إلا أنهم مهتمون بسوق مصر دونما هجرة إلى أسواق أخرى توقعا وتفاؤلا منهم لسلامة البنية التحتية وعدم استهدافها أو تدميرها جراء أحداث العنف.
إلا أن الدكتور رشاد عبده، رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، يرى أن الاستثمارات الأجنبية قبل الثورة وبعد قيامها وحتى مرور الذكرى الثانية تأثرت تأثرا بالغا وساق عدة أسباب لتراجعها، من بينها حالة الانفلات الأمنى والركود الذى بات مهددا للأسواق وموجة الغلاء والتهديدات بمطالب فئوية للعاملين ببعض الشركات، وكذلك مشاكل الفجوة التمويلية مما دعا إلى هروب استثمارات كبيرة، بل توقف دخول استثمارات جديدة منذ العام الماضى إلى مصر.
وقال عبده إن دولا كثيرة حولنا تقتنص الفرصة من مصر، نظرا لتوفير مثل هذه الدول، وعلى رأسها الإمارات، مميزات عديدة، منها عدم فرض ضرائب، وكذا منح بنوكها قروضا بلا حدود للمستثمرين مما يسحب تدريجيا من مصر ريادتها ومركزيتها وتميزها الاستراتيجى، مما يقر بأن الاستثمار أصبح مضروبا مما يخلف سلسلة من المشكلات، من بينها زيادة البطالة، تراجع الصناعة والأسواق، زيادة عجز الموازنة، وقلة احتياطى النقد الأجنبى.
وفى نفس السياق، أعرب الخبير الاقتصادى السيد الهنداوى عن مخاوفه لما يحدث من توقف وتجميد العديد من استثمارات دول الخليج العربى والتى تقدر بـ6.7 مليار دولار تقريبا قبل الثورة تمثلت فى قطاعات البنية التحتية والعقارات والاتصالات مما كان له أكبر الأثر على توقف التدفقات الجديدة بعد الثورة، مرجعا ذلك إلى القلق من نظام حكم الإخوان لمصر، وما تبعه من تدهورات تلاحق المشهد المصرى.