تقارير وتحقيقات

“التقدم الأمريكى”: أزمة الشرعية السياسية بمصر ستستمر فى المستقبل المنظ

قال مركز التقدم الأمريكى إن الاشتباكات العنيفة فى مصر، خلال الأسبوع الماضى، تسلط الضوء على مدى استمرار هشاشة الوضع العام فى الشرق الأوسط، وتوقع أن تستمر أزمة الشرعية السياسية فى مصر فى المستقبل المنظور.
وأضاف المركز أن التدهور فى مصر لم يكن ليأتى فى وقت أسوأ فى ظل الاضطرابات بمنطقة الشرق الأوسط مع تصاعد وتيرة الحرب الأهلية فى سوريا، وتهديدات الجماعات المرتبطة بالقاعدة والممتدة من منطقة الخليج إلى شمال أفريقيا، وتحرك إيران لتقويض الاستقرار الإقليمى، على حد قوله.
ودعا المركز البحثى الأمريكى الولايات المتحدة إلى ضرورة البقاء على تواصل فى محاولة للتأثير على التحول السياسى والاقتصادى فى مصر، فضلا عن تعزيز الأمن هناك، مؤكدا، فى تقرير له يتناول كيفية الدفاع عن القيم والمصالح الأمريكية فى وقت التغيير بمصر، أن كلا الإجراءين يتطلبان دعمًا مستمرًا لكل أدوات السياسة الأمريكية، مثل المساعدات السنوية التى تقدمها الولايات المتحدة لمصر، وتقدر بمليار ونصف المليار دولار، ومزيد من التواصل الدبلوماسى الأكثر دقة مع مراكز القوى المتعددة التى ظهرت فى مصر خلال العامين الماضيين.
وطالب المركز بضرورة إصلاح المساعدات والدعم الأمريكى لمصر ليعكس الحقائق الجديدة، وقال “كما شدد وزير الخارجية الأمريكى الجديد، فإن الآن ليس هو الوقت المناسب للإسراع بقطع المساعدات لمصر. وبشكل واضح، فإن الشعب المصرى وقادته سيحددون مسارهم، لكن تستطيع الولايات المتحدة أن تلعب دورا إيجابيا فى تشكيل النتائج”.
وتفصيلا، يقول التقرير إن الاشتباكات التى تشهدها مصر تأتى إلى حد كبير ردا على التوترات التى لم يتم حلها فى السياسة والمجتمع المصرى منذ الإطاحة بمبارك وصعود الإخوان المسلمين للسلطة، مشيرا إلى أن تزامن الأحداث، ذكرى الثورة مع أعمال العنف ردا على الحكم فى قضية استاد بورسعيد، كانت أشبه بمباراة للتعبير عن عدم الرضا بين المصريين إزاء الحالة الراهنة للبلاد، فالصراعات السياسية والمجتمعية التى احتدمت منذ الإطاحة بمبارك، والتى شملت استفتاء على دستور خلافى، واستمرار أسوا ممارسات نظام مبارك، تغلى من جديد وسوف تستمر فى خلق المشكلات ما لم يتم معالجتها بشكل حقيقى من جانب المسئولين.
وحدد المركز الأمريكى ثلاث أزمات مترابطة تواجهها مصر، وهى أزمة أمنية وأزمة سياسية وثالثة تتعلق بعدم الاستقرار الاقتصادى، فيما يتعلق بالمشكلة الأمنية، وهى الأكثر إلحاحا، والتى تظهر فى فشل قوات الشرطة المصرية فى الحفاظ على النظام بالمدن الكبرى، وتذهب إلى ما هو أعمق من مجرد فشل بسيط فى الحفاظ على النظام فى أعقاب الأحكام القضائية وذكرى الثورة المشحونة سياسيا.
وأوضح التقرير أن الحكام الجدد فى مصر فشلوا فى إصلاح الداخلية، والشرطة لم توف بمسئوليتها المشتركة فى الحفاظ على النظام وفرض سيادة القانون. فلا تزال قوات الأمن تعمل بنفس الإفلات من العقاب مثلما كان يحدث فى عهد مبارك. وأزمة سلطة الشرطة شديدة للغاية لدرجة أن الإخوان المسلمين يصيغون مشروع قانون لمنح الجيش الضبطية القضائية.
ولفت التقرير إلى أن العنف الحالى هو الحلقة الأحدث فى اتجاه أوسع فى عدم الأمن الذى تشهده مصر منذ الثورة، فقد زادت معدلات الجريمة العادية وتراجع الأمن وازداد انعدامه فى سيناء، وتتدفق الأسلحة من ليبيا والسودان بما يوفر أرضا لعمل الجهاديين فى سيناء.
ويصف التقرير تلك الأزمة الأمنية بأنها نتاج لأزمة أوسع من الشرعية السياسية التى يواجهها نظام يقوده الإخوان المسلمون فى الوقت الراهن. فقد تدهورت جودة التحول من ديكتاتورية مبارك على مدار عام 2012 من خلال سلسلة من التحولات والتغييرات المعقدة التى أسفرت عن تساؤلات خطيرة عن الالتزام الحقيقى للإخوان المسلمين بالتعددية والمبادئ الديمقراطية.
ويمضى التقرير قائلا: إن الانقسامات التى كشف عنها التحول السياسى المعيب تسلط الضوء على أزمة الشرعية السياسية التى لا تزال تلوح ولا تزال بدون حل فى مصر. باختصار، فإن أحداث 2012 وخاصة الإدارة الخطيرة لجماعة الإخوان المسلمين، والتى تفتقر للكفاءة فى صياغة الدستور، أظهرت تقسيم السياسات المصرية إلى مراكز متعددة للقوى. وعلى الرغم من هيمنتها على البرلمان والرئاسة، فإن جماعة الإخوان المسلمين لن تفرض دستورا على مصر دون خلق أو تعميق الانقسامات السياسية الاجتماعية بين مراكز القوى. وهذه المراكز، من الجماعات السياسية المعارضة إلى القضاء، سعت لتدعيم نفسها فى 2012، وستستمر فى فعل هذا فى المستقبل على الرغم من هزائمها فى الماضى وتراجعاتها القسرية. ومع الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها فى الفترة القادمة، فإن أزمة الشرعية السياسية فى مصر من المرجح أن تستمر فى المستقبل المنظور.
أما عن المشكلة الاقتصادية، فلا يزال الاقتصاد يعانى من تراجع سريع فى الاحتياطى الأجنبى، وهروب أغلب الاستثمارات الأجنبية، وتراجع السياحة التى هى واحدة من أهم الصناعات فى مصر.
وفيما يتعلق بالسياسة الأمريكية، قال التقرير، بقدر ما تريد الولايات المتحدة أن تشكل الأحداث فى مصر فى اتجاهات مواتية لمصالحها وقيمها، إلا أنه ينبغى أن تعترف بحدود قوتها ونفوذها. والمسئولية إزاء التحول الاقتصادى والسياسى والاجتماعى فى مصر تقع أولا وقبل كل شئ على المصريين، وليس على الولايات المتحدة. ونظرا لتعقد التحول السياسى والاقتصادى والأمنى، فإن المصريين سيظلون بلا شك يرتكبون أخطاء فى المستقبل، وصناع القرار الأمريكيون لا يزال لديهم قدرة محدودة لتصحيح تلك الأخطاء، ولا ينبغى أن يتوقع أحد غير ذلك.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها بعض القدرة والنفوذ للتأثير فى النتائج بطرق تحمى المصالح والأهداف الأمريكية الرئيسية التى تتمثل فى أن تكون مصر أساس الأمن والتقدم فى الشرق الأوسط الأكبر، إلى جانب السلام مع جيرانها. وللوصول إلى هذه النتيجة، فإن هناك ستة خطوات رئيسية يمكن أن تحقق أمريكا من خلالها النتائج المثلى.
أولا: الحفاظ على الاتصال مع مراكز القوى المتعددة فى مصر، وتجنب أن تظهر أمريكا وكأنها تختار جهات مفضلة أو الوقوف فى صف الإخوان أو الجيش أو لاعبين سياسيين آخرين. ويجب أن تستمر الولايات المتحدة فى تنويع اتصالاتها مع استمرار التحول الهش فى البلاد.
ثانيا: الحفاظ على الدعم كاملا، لكن فى هذه المرحلة الحساسة سيكون من الحكمة إجراء تغييرات دراماتيكية على طبيعة المساعدات الأمريكية لمصر. فحزمة المساعدات بشكل عام يجب أن يتم إعادة التفاوض عليها بشكل مشترك مع مصر بمرور الوقت، بدلا من أن يتم قطع مفاجئ للمساعدات فى لحظة الأزمة.
ثالثا: دعم مصر فى المؤسسات المالية الدولية، كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى. حيث أن إنهاء الاتفاق على قرض الصندوق أمر بالغ الأهمية لتخفيف الضغوط على الاقتصاد المصرى على المدى القصير. ودعم أمريكا لمصر فى هذه المنتديات سيبعث برسالة قوية للمجتمع الدولى بشأن جدوى الاقتصاد المصرى، وزيادة احتمال أن يخصص كبار المستثمرين الآخرين، مثل الإمارات والسعودية وتركيا، الموارد اللازمة لإعادة اقتصاد مصر إلى مسارها الصحيح.
رابعا: تقديم المساعدة فى إصلاح الشرطة، من خلال إعادة برمجة جزء من المساعدات العسكرية تجاه إصلاح وزارة الداخلية.
خامسا: إجراء مزيد من الدبلوماسية العامة بشأن القيم والمصالح الأمريكية، وضرورة أن توضح أمريكا أن دعمها للتحول لا يعنى دعمها لجماعة معينة، وأن رد واشنطن على إعلان “مرسى” الدستورى فى نوفمبر الماضى لا يخدم مصالح الولايات المتحدة وقيمها.
وأخيرا: تحسين الاتصال الإقليمى، وضرورة أن توضح الولايات المتحدة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط أن دعمها للإصلاح السياسى لا يعنى دعم للهيمنة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
وختم المركز الأمريكى تقريره قائلا: إن مصر لا تزال فى المراحل الأولى مما يمكن أن يكون فترة طويلة من التغيير. ومع مزيد من عدم اليقين والتغيير فى المنطقة الأكبر، فإن على الولايات المتحدة أن تواصل الاستثمار فى بناء أساس أقوى لعلاقة شراكة مستمرة وذات منفعة تبادلية مع مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى