استمرار وحشية الشرطة فى مصر بلا هوادة.. مرسى يواصل إسكات المعارضة وقم
قالت منظمة فريدوم هاوس، إنه بعد عامين من سقوط مبارك، استمر التعذيب فى مصر مرسى، وأشارت المنظمة الحقوقية الأمريكية إلى واقعة سحل حمادة صابر، المواطن الذى تعرض للضرب المبرح على أيدى رجال الشرطة بعد تجريده من ملابسه تماما أمام قصر الاتحادية، وهو ما تسبب فى صدمة للجمهور المصرى والمجتمع الدولى، ولم يتوقف الأمر على ذلك فلقد تم إجبار الضحية على نفى اتهام الشرطة ثم عودته للاعتراف بالحقيقة بعد أن اتهمه الكثيرون بالجبن والخضوع لضغوط الحكومة.
ولم يمر يومان حتى زادت قصة مقتل المعارض السياسى محمد الجندى، بعد تعرضه للتعذيب على يد الشرطة، الغضب والاستياء، ويقول التقرير الذى كتبته نانسى عقيل، مدير فرع المنظمة فى مصر، إن المأساة الحقيقة ليست فى وقوع هذه الحوادث، لكن فى أن الجمهور يبدو أنه لا يدرك أن العديد من المصريين عرضة لانتهاكات مماثلة يوميا.
وتشير إلى أن المنظمات الحقوقية سجلت اعتقال ما لا يقل عن 1000 شخص خلال الاحتجاجات بالأسبوعين الماضيين، بينهم أكثر من 140 قاصرا، وعلى الأقل هناك 6 حالات تعذيب فى مراكز الشرطة تم توثيقهم فى الأشهر الأخيرة.
وتقول فريدوم هاوس، إن وحشية الشرطة والإفلات من العقاب لا يزالا يشكلان القوة الدافعة وراء الاحتجاجات، فعندما رحل مبارك قبل عامين، أمل المصريون فى أن يمثل هذا نهاية الحقبة المخزية لانتهاكات الشرطة. ومع ذلك، فإن التعذيب والاحتجاز التعسفى والعنف الذى يستهدف النشطاء استمر فى ظل حكم المجلس العسكرى ومن بعده الرئيس محمد مرسى.
ولا تزال وزارة الداخلية والشرطة غير خاضعة للمساءلة ودون إصلاح، وحتى الآن لا يوجد برنامج منظم للعدالة الانتقالية لمعاقبة التجاوزات قبل وأثناء الثورة، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة من قبل جماعات حقوق الإنسان لدعم ضحايا انتهاكات الشرطة وتوثيق حالاتهم، إلا أن قليلين هم الذين يحصلون على اهتمام الرأى العام.
فلا تزال وسائل الإعلام تخضع إلى حد كبير لسيطرة الدولة، فيما تعمل منظمات المجتمع المدنى، وخاصة تلك المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فى بيئة مقيدة للغاية بموارد محدودة جدا، والمسئولين الحكوميين إما أنهم يبررون وحشية الشرطة أو ينفونها.
وكشفت عقيل أنه خلال لقاء جمع عدد من النشطاء والخبراء مع وزير العدل أحمد مكى الأسبوع الماضى، نفى الوزير استمرار التعذيب المنهجى من قبل الشرطة فى مصر واتهم وسائل الإعلام والحقوقيين بأنهم يعيشون على تلفيق الأكاذيب، وعندما تمت مواجهته بستة حالات تعذيب موثقة تحت عهد مرسى، قال إن هذا الرقم يمثل تقدما بالمقارنة بالماضى، وهو ما دفع المشاركين للانسحاب من الاجتماع.
وليس من قبيل الصدفة أن تقدم وزارة العدل، فى نفس الأسبوع، مشروع قانون جديد بشأن المنظمات غير الحكومية. وتصف عقيل فى تقريرها مشروع القانون بأنه أسوأ كثيرا من القانون الحالى الذى يقيد عمل هذه المنظمات، فمن بين أحكامه التى تمثل إشكالية، أنه سيؤدى إلغاء الأساس القانونى للكثير من منظمات حقوق الإنسان فضلا عن غيرها من الجماعات المسجلة كشركات مدنية أو محاماة.
هذا بالإضافة إلى تقييد عمل المنظمات الأجنبية فى مصر، مما يحظر العديد من الأنشطة الأساسية لمنظمات المجتمع المدنى مثل الاستطلاعات والمسوح ومجموعات التركيز، وكذلك وضع جميع أنشطة وتمويل المنظمات غير الحكومية فى إطار تنظيمى حكومى شديد التقييد، ففى الواقع يجرم مشروع القانون الجديد تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية ويقيد الوظيفة الرقابية المهمة للمجتمع المدنى.
وتحذر عقيل أن تمرير مثل هذا القانون، فإن منظمات حقوق الإنسان المحاصرة بالفعل، لن تكون قادرة على الاستمرار فى عملها الذى تحتاج إليه مصر بشدة فى هذه المرحلة الحرجة من انتقالها نحو الحكم الديمقراطى. وسوف يتم إهمال حقوق أولئك الذين تعرضوا للتعذيب والانتهاكات على يد الشرطة وسيعانى الكثيرون مزيدا من سوء المعاملة فى ظل غياب رقابة المجتمع المدنى.
فعلى الرغم من الإطاحة بمبارك، فإن الهيكل المؤسسى لنظامه لا يزال ثابتا فى مكانه، بنفس العقلية والثقافة التنظيمية ونهج إسكات المعارضة وكذلك قمع المجتمع المدنى. وفى الواقع فإنه من المثير للقلق أن تتبنى الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، التى طالما انتظرها الشعب، نفس التكتيكات القمعية لسابقتها.
وتشير عقيل إلى أنه بعد المداهمات الأمنية التى استهدفت منظمات المجتمع المدنى وغلقها مطلع 2012، أجرت عدد من هذه المنظمات ومن بينها فريدوم هاوس مقابلات مع وزارة التضامن الاجتماعى ووزارة الخارجية ومن المفارقة أن وزارة التضامن الاجتماعى أعربت عن قلقها إزاء برامج مقترحة تخص معالجة انتهاكات حقوق الإنسان أو غياب العدالة الانتقالية ورأت أن دعمها يؤدى إلى عدم الاستقرار ولا ينبغى أن يقوم المجتمع المدنى بهذا الدور.
ويخلص التقرير موضحا أنه حتى هذا اليوم لا تزال قضية هذه المنظمات معلقة، إذ أن هذا التكتيك القائم على قمع الانتقادات بدلا من معالجة المشكلة الأساسية لا يقتصر على المنظمات غير الحكومية، بل إنه سمة من سمات نهج الحكومة مع جميع التحديات التى تواجهها مصر، فإدارة مرسى مثل مبارك تماما، تبدو مصممة على إخفاء الحقائق المزعجة تحت البساط وإسكات أى رسول يمكن أن يكشف الحقيقة البشعة.
لكن عقيل تختم قائلة، سيكون من الصعب إخفاء مثل هذه المشاكل لفترة طويلة خاصة بالنظر إلى إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام الاجتماعية وانتشار صحافة المواطن، لكن فى ظل غياب منظمات المجتمع المدنى المهنية المكرسة لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية، سيكون من الصعب للغاية أيضا مساءلة السلطات ومنع مزيد من الانتهاكات.