الدكتور يحيى حسين يكتب عن تعيين ابن الرئيس فى “القابضة للمطارات”: سامح
أما محمد فهو ابنى الذى حَرّمتُ عليه التعيين فى أى موقعٍ أملكُ سلطة التعيين به (وما أكثرها)، وزدتُ على ذلك بتحريم تعيينه فى أى مؤسسةٍ أو شركةٍ من الجهات المتعاملة مع أى مؤسسةٍ أرأسها.. وهو خريج تجارة مثل ابن الدكتور محمد مرسى، ولكنه يختلف عنه فى أنه يتنقل منذ سبع سنوات بين بعض الشركات الخاصة أحياناً وبيت أبيه أحياناً أخرى، وفقاً للقيود التى ألزمتُ بها نفسى وألزمنى بها الدين والأصول والمسئولية العامة.. أرى العتاب فى عينيك يا محمد منذ أن عرفتَ بخبر تعيين عمر محمد مرسى فى الشركة القابضة للمطارات.. يعلم الله يا محمد أن حبّى لك لا يقل عن حب الدكتور مرسى لابنه.. وكم تمنيتُ (وما زلتُ) أن أراك مستقراً فى وظيفةٍ من التى جعلها الله فى متناول يدى.. تتباهى بها بين أقرانك وتبدأ بعائدها حياةً زوجيةً سعيدة.. ولكننى يا محمد لا أُريد أن أُطعمك مالاً حراماً.. وقد ثبّت الله أباك على الحق وصمّ أذنيه عن أولئك الأفاقين المنافقين الكذابين الذين يزينون ويبررون لكل مسئولٍ أفعاله وخروقاته.
يا بُنىّ إن الحق الأبلج هو أن أى وظيفةٍ عامة ليست مِلكاً لرئيس المؤسسة (أو أى رئيس) وليست مِلكاً حتى لأبناء العاملين بها (مثلما سادت هذه الثقافة الفاسدة فى السنوات الأخيرة)، وإنما هى مِلكٌ للشعب المصرى كله، يجب الإعلان عنها فيتقدم لها عشراتُ الآلاف من شباب مصر ويتم اختيار الأكفأ لها وفقاً لمعايير صارمة.. وما عدا ذلك هو تحايلٌ باطلٌ قانوناً وحرامٌ شرعاً.
حتى إذا تم إلغاء تعيين ابن الرئيس فى القابضة للمطارات (وهو ما أتوقعه بعدما فضحه الإعلام) لا ينبغى أن تمر القصة بلا محاسبة.. لا بد من محاسبة أولئك الفَجَرة الكَذَبة من المسئولين الذين تقيأوا علينا تبريراتهم، كذلك الفاجر الذى قال إن تقدّم ابن الرئيس إلى وظيفةٍ عاديةٍ مثل عامة الشعب هو أحد مكاسب الثورة (!).. كبُرت كلمةً خرجت من فمك أيها المنافق الكاذب، فأنت تعرف أن أى وظيفةٍ عامةٍ (وإن قلّ راتبها) ليست عاديةً فى هذه الأيام التى نسمع فيها عن عشرات الآلاف من الجنيهات التى تُدفع لشراء مثل هذه الوظائف (العادية). أو ذلك المنافق الذى تباهى بأن ابن الرئيس تقدّم مع عشرةٍ آخرين لإعلانٍ داخلى.. لماذا إعلانٌ داخلى أيها المنافق الكبير؟ فكل من عمل بالحكومة يعلم أن الإعلانات الداخلية تكون لتوظيف أبناء كبار المسئولين فى الشركة (أو الدولة).. لذلك فإننى أطلب من الإعلام الحر الذى كشف قصة تعيين ابن الرئيس أن يكشف لنا أسماء التسعة الآخرين وأقاربهم.
أما الأخ الدكتور محمد مرسى (وأحسبه من الورعين الأتقياء البكّائين من خشية الله دون رياء) فحزنى عليه وصدمتى من موقفه لا حدود لهما.. أتفهم أنه حديثُ عهدٍ بالسلطة وبريقها وجينات النفاق التى تتحلق حولها، فقد مرّت عليه عقودٌ من السجن والحرمان والمطاردة ولم يذق عسل السلطة إلا مؤخراً.. ولكننى كنتُ أحسبُ أن جهاز المناعة عنده أقوى، بما تختزنه ذاكرته ويضىء به قلبه من آياتٍ وأحاديث وسيرةٍ عطرةٍ للخلفاء الراشدين يستعين بها فى خُطَبه عن حُرمة المال العام وتكلفة المنصب.. ولست بحاجةٍ لتذكيره بعمر بن الخطاب الذى صادر ثروة ابنه خشية أن يكون الناس قد جاملوه فى تكوينها.. أو عمر بن عبد العزيز الذى خيّر زوجته بين ثروتها كلها وبين أن تظل زوجة له بعد أن أصبح أميراً للمؤمنين.
لعل أدبك منعك يا بُنىّ من أن تقول لى “وهل ذنبى أننى ابنك؟” ولكنك استمعت بالتأكيد (كما استمعتُ أنا) لمن يقولون “وهل ذنب عمر محمد مرسى أنه ابن الرئيس؟”. . الإجابة يا بُنىّ فى السؤال نفسه: “نعم ذنبه أنه ابن الرئيس، كما كان ذنب عبد الله ابن عمر بن الخطاب أنه ابن أمير المؤمنين.. وكان ذنب فاطمة بنت عبد الملك أنها زوجة أمير المؤمنين.. فإن للمنصب العام ثمناً وقيوداً، عرفها المسلمون الأوائل ويعرفها الغرب المتقدم حالياً.
يا محمد.. لكل شئ ثمن.. للنظافة ثمنٌ وللتلوث ثمن.. للكرامة ثمنٌ وللوضاعة ثمن.. للعزة ثمنٌ وللنفاق ثمن.. للحلال ثمنٌ ندفعه من دنيانا.. وللحرام ثمنٌ ندفعه من آخرتنا (ودنيانا).. أعانك الله يا بُنىّ وأعان أباك على أثمان الدنيا.
“وليخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا