محمد السنوسى يكتب: 27 دقيقة !
فى كل مرة نسمع عنه عندما يأتى الحديث عن حرص جميع الشعوب على استغلاله، والاستفادة منه، فمصر فى العصور القديمة كانت تقدر قيمة الوقت وتضع له مكانا خاصا فى العلوم والدراسات التى تنتج قيما تعلم الجميع احترام الوقت واستغلاله.
وليس ببعيد عن الوقت، بل هو مرتبط به دائما، إنه العمل الذى قدرته وأجلته كل الأديان إلى أن أصبح عبادة يتقرب بها العبد إلى الله ويجدد بها طاقته ويحلل بها رزقه، ولكن هل الفرد فى مصر الآن يشعر بقيمة ذلك؟
لو أردت أن أجيب على هذا التساؤل سوف أواجه بمعلومة صعبة وصادمة وهى أن متوسط زمن العمل الفعلى للموظف المصرى فى المؤسسات الحكومية 27 دقيقة يوميا! فعلا تستحق التعجب فهل رأيت شعبا فى العالم يتحدث عن رغبته فى تقدم بلاده ورقيها وعودتها إلى أمجادها ثم نجده عندما يختبر الاحتبار الحقيقى يعمل فقط مدة قصيرة للغاية تقل عن مدة انتظاره فى الزحام المرورى بكثير.
ومن هنا تكمن المعضلة فلم تنهض الشعوب أبداً بالأمنيات ولم تتقدم الأمم بالرغبات ولكن العمل هو القيمة الوحيدة المشتركة فى كل نماذج وتجارب نجاح الأمم الأخرى وحتى مصر القديمة تقدمت بفعل العمل الجاد والمخلص من جانب كل فرد فى موقعه، عمل جعل الهرم الأكبر شامخا إلى الآن وجعل المعارف الإنسانية فى العالم كله تستمد الكثير من مصادرها من هذه الحضارة العريقة.
مصر تحتاج الآن إلى إدراك حقيقى لقيمة الوقت من الجميع، فلو أدرك المجلس العسكرى قيمة الوقت من البداية لما بقى كل هذه المدة فى السلطة رغم وعوده السابقة بتسليم السلطة فى فترة قصيرة، ولو أدركت ذلك اللجان التى تقوم بتقصى الحقائق فى الأحداث التى مرت فى عام الثورة الأول لكنا وجدنا حدا لكل هذه الأحداث التى تراكمت فمازالت هذه اللجان تعمل إلى الآن لأنه لا يوجد تخطيط سليم ولا احترام لمواقيت تم تحديدها، ولو أدرك الفرد المصرى قيمة الوقت لأصبح أكثر التزاماً وحفاظا عليه، فهنا فقط فى مصر لا توجد مواعيد محددة حتى ولو كنت ستقابل شخصية مهمة أو مسئولة فإنه عليك الانتظار بعد الموعد المحدد بكثير لكى تتم المقابلة، وهنا فقط فى مصر يمكنك أن تقضى أكثر من نصف يومك بين نوافذ سيارة تقلك إلى عملك أو إلى منزلك.
ليس معنى أن الموظف المصرى يعمل 27 دقيقة فقط أنه هو المخطأ الوحيد فى إدارة وقتة، فالمؤسسة التى يعمل بها لم توفر من البداية نظم إدارة وقت فعالة وهو ما جعل القطاع الخاص يتفوق على القطاع الحكومى فى عدد ساعات العمل الفعلية وحجم المنجز من العمل، إن معالجة هذا الأمر تطلب وجود خطة استراتيجية للدولة بالكامل من أجل زيادة الوعى بأهمية الوقت ليس فقط بالكلمات النظرية، التى توجد على كتاب تلميذ مصرى ولكن بالممارسة، فكيف تخبر التلميذ أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وهو يجد معلمه يتأخر عن الحصة الدراسية أو قد يأتى فى آخر دقائقها!