خطباء الفتنة
ليلة أسرى بالمصطفى صلوات الله وسلامة عليه إلى السماوات العلي، رأى أناسا تقرض شفاههم بمقارض من نار.. فسأل من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء هم خطباء الفتنة.. هم الذين يبررون لكل ظالم ظلمه.. الذين يجعلون دين الله خدمة لأهواء البشر..
نمر بمرحلة عصيبة فى تاريخ مصر، فبعد كل هذه العقود التى عانينا فيها الظلم والقمع والاستبداد، سخر الله لنا من ضحوا بأنفسهم كى ننال حريتنا، وسلط على مبارك وأعوانه سوء أعمالهم حتى تكون سببا فى ثورة تطيح بسلطانه وتلقى به وبحاشيته فى غياهب الذل والعار، فطاردته الدماء التى سفكها هو وزبانيته حتى وضعتهم تحت تصرف القانون جزاء لهم على انتهاك كرامة ودماء المصرين، إلا أن الشعب المصرى الذى تربى طيلة هذه العقود على الخضوع أبى على نفسه الحرية الكاملة، وبكامل إرادته وافق أن تُحكم القيود حول رقبته مرة أخرى، ومن عبودية مبارك إلى عبودية العسكرى نظل بين بينين، كلاهما نار، لأننا عطلنا عقولنا، فصرنا كالذى يحمل من كل علوم الدنيا كتبا، لكنه لا ينظر إلى ما فيها من علوم، فظل على جهله، وبدلا من ذلك جعل من رأسه إناء، يصب فيها إعلام النظام ما شاء، حتى اختلط الطيب بالخبيث فصار الثائر خائنا وعميلا ومخربا، بينما القاتل نصبوه بطلا من أبطال الحرب والسلام وحامى حمى الثورة.
لم يخلق لنا الله الحق حتى نكتمه فى قلوبنا، ولا لنتشدق به فى الندوات واللقاءات ودروس الدين فى المساجد والكنائس والقنوات الفضائية للاستعراض، بينما نظل صامتين كالأصنام أمام ظلم الحاكم للمحكوم، أن نقف كالأصنام أمام الدماء التى تسفك دون حق، أن نقف كالأصنام أمام حرمة العرض التى تنتهك، أن نقف كالأصنام أمام سرقة أموال الشعب المصرى، فالحق فضيلة وقيمة من قيم الجمال الإنسانى فى خلقه، فالتصدى للباطل وعدم المزايدة على كلمة الحق ليست مرتبطة بدين، لأنها قد وجدت فى الإنسان منذ بداية الخليقة، منذ أن كانت الفطرة التى غرسها الله داخلهم هى التى تحركهم.
وأكثر ما يثير التعجب أن يعطيك الله من علمه، ويزيدك محبة ومكانة لدى مختلف أبناء الشعب الذى تعيش بين أبنائه، فتحظى بثقتهم، ثم تساند الظالم على ظلمة، فتصبح كالذى قال عنهم جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم “خطباء الفتنة” الذين يتخذون من دين الله وسيلة تخدم أهواء البشر، هؤلاء الذين يسيئون للدين، سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين، فاتبعوا أهواءهم وجعلوا من أنفسهم أداة يُبَرر بها سفك دماء المصرين، فصدقوا على التهم التى ألصقها العسكرى بالثوار ظلما وبهتانا، وحرضوا ضدهم على منابر المساجد وداخل الكنائس، فصدقهم الباحثون عن ظاهر الدين دون وعى، فجعلوها فتنة بين أبناء الشعب الواحد، وكل ذلك تلونا ونفاقا، لإرضاء من يجلس فوق “عرش مصر”، فمن هلل لمبارك وحرم الخروج عليه من قبل، هو نفسه من هلل للمجلس العسكرى ودعا له على المنابر ويحرم الخروج عليه الآن، لعن الله كل من وقف حائلا بين هذا الشعب وبين حريته.