أم المشاكل
لا شك أنه عمل عظيم أن نتبرع ونجمع الأموال من خلال عدد من المبادرات التى نادى بها البعض خلال الفترة الماضية، من أجل المساهمة فى حل مشاكل الوطن، ولكن المشكلة يا سادة هو أنه بالتوازى مع جمع المال لا بد أن نفكر كيف نجعل هذه الأموال التى يتم جمعها منتجة كى تمول نفسها بنفسها فيما بعد، وتكون مساهمتها فى حل المشكلات مساهمة فاعلة ومستمرة وليست لوقت محدود، ليحس المجتمع بوجودها ويقتنع بأنها تؤتى ثمارها وتحقق الهدف الذى جمعت من أجله، وحتى إذا ما نودى الشعب للتبرع مرة أخرى يلبى النداء إيمانا منه بأن ما يقدمه يساعد فى حل مشاكل وطنه وأبنائه، وبنتيجة ملموسة يراها أمام عينيه.
وأقول هذا لأنه كم من ملايين الدولارات والتى جمعت من قبل على هيئة تبرعات فى حوادث مختلفة، ولكن لا أحد يعرف أين هى ولا أين ذهبت أو فيما أنفقت، خاصة وأن كل مشاكل المجتمع كما هى، لم يتم حلها حتى بعد اختفاء هذه الأموال!
مشكلة مصر الكبرى يا سادة هى البطالة، ثم البطالة، ثم البطالة بسبب تراكم الأجيال الشابة والتى تتخرج كل عام من مراحل التعليم المختلفة والتى لم يعمل لها النظام السابق أى حساب أو يبنى لها أى مشاريع تستوعبها وتوفر لها فرص العمل بسبب سوء التخطيط وقصرالرؤية للمستقبل وانتشار الفساد، ومن ثم هبت للتغيير فى ثورة يناير المجيدة وبعد الثورة ومع ازدياد حدة الفقر وأوقات الفراغ التى يقضيها الشباب دون عمل ولا حتى هدف أو حلم يعيش من أجله تحولت الثورة إلى فوضى والتى أظن أنها لن تنتهى حتى بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد، لأن الحل يكمن فى أنه كيف نجد عملا لهذا الشباب كى يشغله ويجعل لديه شيئا ومصلحة يخاف عليها ويعمل من أجلها، أى أن إصلاح الأمور وعودتها إلى مسارها الصحيح لن يكون إلا بالقضاء على البطالة وخلق أحلام لهذا الشباب كى ينشغل بالعمل على تحقيقها.
لذلك وبالتوازى مع جمع المال وكى يتم استثماره بالطريقة الصحيحة، لأبد أن نعد ونخطط لمشاريع إنتاجية من النوع الذى يستوعب عددا كبيرا من الأيدى العاملة وخاصة من أبناء الفقراء والمعدمين والذين يعيشون فى العشوائيات والقرى وغيرها من المناطق الفقيرة فى مصر للمساهة فى القضاء على البطالة، على أن تكون هذه المشاريع أيضا من المشاريع التى تفيد الوطن وتلبى حاجاته الاستهلاكية وخاصة التى نستوردها من الخارج، ثم من أرباح هذه المشاريع يتم الصرف على النواحى الاجتماعية والإنسانية للفقراء وحل مشاكلهم، وننفق على التعليم والصحة والسكان وغيرها، لكن نجمع المال وبعد وقت قصير يذهب المال دون أن نعرف أين أنفق أو أن ينفق على مشاريع استهلاكية فهذه ليست الطريقة المثلى ولا هو الحل الجذرى للمشكلة، فالمشكلة ليست فى جمع المال لأن الشعب المصرى بطبيعته وتدينه يسارع دائما فى الخير إذا ما وجه إليه النداء، ولكن المشكلة تكمن فى كيفية توظيف هذا المال التوظيف الأمثل حتى يمول نفسه بنفسه، ويساهم بشكل مستمر وليس لوقت محدود، ثم نعود لنعيد الكرة مرارا وتكرار والتى مع طول الوقت لن نجد من الشعب من يلبى النداء، لأنه سيكون قد فقد الإيمان بقيمة ما يفعله، ولأنه لم يجد له نتيجة ملموسة أمام عينيه.