حوار مع صديقى المدّخن
سألته لـِمَا لا أراك تحمل سيجارتك كما أعتدت أن أراك ؟ فقد كنت لا أراه إلا حاملاً لسيجارته، وكأنها إرث قديم من إرث الآباء، لا يريد أن يتركها خوفاً عليها من الضياع .
كان رده غريباً كما كان فعله فى السابق غريبا، تركت التدخين إلى غير رجعة، و قبل أن أبدى تعجـّبى من إجابته – فقد كنت متعجباً حقاً – بادرنى بقوله سأقص عليك كل شيء .
ذهبتُ منذ أسبوع لخطبة فتاة عزمت أمرى أن أرتبط بها، و عندما جلسنا سويا لنتعارف بعد أن تعارف الأهل على بعضهم البعض كالعرف السائد ، ابتدرتنى بسؤال أعجزنى عن الإجابة لثوانى مرت علىّ كساعات ، و أجبتها بالنفى على سؤالها لى هل تدخن؟
كذبتُ، والله كذبتُ، و لا أدرى لما كذبت وأنا الصادق دائماً، أخشيت أن تضيعَ من يدى ، ولم أكن عرفت عنها الكثير بعد ، لكن قدر الله كان أسبق فلم تكتمل الخطبة بالرغم من الكذبة السابقة .
عندما عدتُ إلى بيتى خلوتُُ إلى نفسى، وقد أخذ الضيق منى كل مأخذ، فسألتُ نفسى لما الكذب أمن أجل فتاة ؟ فلما لا أترك التدخين من أجل نفسى، و نمت بأسوأ حال .
مر يومان وأنا تارك للتدخين ليس لى رغبة فى تناول السيجارة وقد اتفق أنى كنت قد أخذت إجازة من عملى لإتمام الخطبة وتبقى منها هذان اليومان وأنا قابع فى البيت لا أبرحه و لا استسغ من الدنيا شىء.
جاء صباح اليوم الثالث وتهيأت للذهاب إلى العمل، وأنا ضجـِر من نفسى ، وعندما وصلت العمل استقبلنى زملائى استقبال الفاتحين ، فلم يكن قد بلغهم من أمر فشل خطبتى شىء، وعندما أخبرتهم بالأمر أخذوا فى مواساتى و أنه نصيب ، و هم لا يدرون أنى حزين لا على فشل الخطبة بل على نفسى .
حينها همّ أحدهم بإعطائى سيجارة فوجدتنى أقول له لقد تركت التدخين ، هكذا دون مقدمات ، كانت هذه الكلمات تبدو واضحة فى أعينهم ، و إن لم تنطق بها ألسنتهم .
أتركت التدخين ؟ سؤال وجهته الى نفسى بعد لحظات ، لماذا قلت لهم هذا ؟
لم أدخن لأنى لم استسغ التدخين ليس إلا ، لكننى خشيت أن أعود فى كلامى فيستصغرونى .
مضى اليوم بخيره و شره لم تلمس شفتاى سيجارة ، و فى اليوم الرابع وقفت على الرصيف أنتظرُ السيارة التى ستقلـّنى الى العمل ، و قد كان يقف بجوارى رجل قد استبطأ قدوم السيارة فأشعل سيجارته فاشتعلت نفسى شوقاً إلى السيجارة ، وقد هممت أن أطلب منه سيجارة لولا أنى استحى أن أطلب شيئا من أحد ٍ لا أعرفه .
قدمت السيارة فقطعت النزاع النفسى الذى أمسك بتلابيبى ما بين طالب و رافض ، ركبت السيارة
و إذ بالرجل الذى كان يدخن سيجارته منذ لحظات يجلس بجوارى بعدما ألقى السيجارة .
مد يده ليعطى السائق الأجرة ، فكانت منى التفاته نحوه فاشتممت من ملابسه رائحة خبيثة تلك هى رائحة بقايا السيجارة ، فقلت لنفسى يا الله أكنت أحمل هذه الرائحة على ملابسى طيلة هذه السنوات
وأنا لاأدرى، وقد كان الناس يتأذون منها بسببى وأنا لا أدرى ، فأبرمت أمرى أن أترك التدخين إلى الأبد .
إلى هنا انتهى كلام صديقى المدخن سابقاً المفارق للتدخين حالياً ، وقد طلبت منه أن يرصد تجربته هذه فتعلل، فالتمست منه أن أكتب عن هذه التجربة كى تعم الفائدة و يعلم الذى يريد الامتناع عن التدخين أن الأمر جد بسيط لو توافرت الإرادة و العزيمة وأبعد عن ذهنه أنه لن يفارق السيجارة حتى يدخل القبر فيتركها مجبراً لا راضياً.