لو لم أكن مصرية.. لوددت أن أكون أمريكانية!!
منذ أن وطأت قدماى الحياة وأنا لا أعرف لى سكنا أو فرشا إلا هذا الوطن، الصامت أبدا، الصابر أبدا والذى لم يطعم الفرحة على مدار أعوام عمرى الكاملة إلا مع انتصار فى ماتش كورة أو طايرة! حتى من الله علينا بثورة يناير، فاشرأبت لها الأعناق ورخصت لها الدماء وطغت أنواع أخرى من الفرحة والاهتمامات، أخذتنا معها وغيرت سلوكياتنا فجعلتنى ولأول مرة أتخلى عن مشاهدة “المسلسل التركى” لأتابع نشرات الأخبار بنهم شديد وأنفقه فى بنود الدستور وخلافه، لم أكن أبدا لأحلم أن جارى الأكول الطيب سيقابل يوما نعمة الشبع ويتخلى وللمرة الأولى عن طبق “الفطير” الملازم ليده دائما أبدا لينزل إلى التحرير ثائرا نهارا، ثم يلهث عائدا ليقف فى صفوف اللجان الشعبية بالشارع البارد ليلا، الدافئ ولأول مرة بفيوض الجيرة والمحبة وظننت حينها أن وطنا جديدا ينبت فى جنبات تلك القلوب الذابلة، فينبض حياة ويزرع “خضارا” فى أركانها المظلمة.
ودارت الحياة ومر العام وبعد العام شهور، وفى كل يوم جديد كانت نبتتى ترتجف ولكنها تصمد آملة فى غد أفضل وصحوت يوما وأنا أسمع نغمات رنانة تعلمنا أن هناك من يعبث بمستقبل وليدنا الصغير، نعم.. لقد أخبرونا أنهم وجدوا “الطرف الثالث” الذى يقسم مصر ويرسم الخرائط ويتلقى الأموال وكالعادة، صدقت النبأ وعشت اللحظة و”تشفيت” فى أمريكا التى دائما ما تلعب دور “زوجة الأب” الشريرة فى رواية سندريلا الطيبة وتخيلت مصر تهنأ بأمير مستقبلها الشجاع وتنعم بعد سنين الهوان التى أذاقتنا أمريكا إياها، وأخذتنى النشوة بتعبيرات “مصر لن تركع” و”مصر لن تساوم” و”لتذهب المعونة إلى الجحيم” حتى سمعت أزيز طائرة تسرق نشوتى وتحمل الطرف الثالث إلى بلاد “مرات أبويا” فأدركت أن مصر قد اختتمت صلاتها فركعت، وسجدت، وتلت التشهد ثم “سلمت”!.
وأحسست أن هامتى التى اشرأبت فى يناير قد غدت “قفا” وأن “غفير أمن دولة عفى” قد “سلم” عليه بكفه “اللينة”، فاستفقت وأفقت، وأهديت جارى طبقا من “فطير بالسكر” وجلسنا نلتهمه بنهم شديد ونحن نتابع المسلسل التركى سويا!.
ووجدتنى أصيح ولأول مرة بعمرى: لو لم أكن مصرية.. لوددت أن أكون أمريكانية! لى وطن يحترمنى، يصدقنى وأصدقه، يحمينى حين أخطئ أو أصيب، وطن يتحدى الأشاوس المغاوير ويبعث بالطائرات لبلادهم لنجدتى، وطنا لا يتركنى أغرق فى عبارة متهالكة فى بحره ولا يرسل قاربا ينتشل بقايا جثتى، وطنا لا يتركنى أحترق فى قطاره أو يقذف بى من فوق مدرجات الاستاد فى ماتش كوره!.
أريد وطنا يدرك أنى زرعته بقلبى، أحبك يا بلادى وألعن ذاك الحب كل صباح.. لملمى سرطان عشقك وارحلى من جسدى.. وحينما ترحلين فتأخذين الروح، فقط وأرى جثمانى ثراك ولا تسألينى أجرا لقبرى لأنى لا أملكه، فلم أمتلك يوما شيئا إلا حبك اللعين!.