الشرطى الخارق
منذ عام مضى تقريبا كان من المألوف والمتعارف عليه أن كلا من أصحاب المناصب العليا وذوى النفوذ هم فى الحقيقة مخلوقات خارقة من كوكب آخر ليس بإمكانى أو إمكانك مقاضاته أو مناقشته أو حتى التذمر فى سرك بتحريك الشفتين، فهم كما قلت مخلوقات خارقة لهم مواهب فذة وقدرات مهولة على إدارة الأزمات وتحقيق ما ليس بإمكاننا تحقيقه فى ظل أى ظرف استثنائى، حيث نظل أنا وأنت مكتوفى الأيدى قليلى الحيلة – وإلا كان زماننا مكانهم – فابن الشخص البسيط لا يمكن أن يكون ذو نفوذ لأن الأخير ببساطة امتداد لجذوره التى تتمثل فى عائلة مليئة بـ”الرتب” أو المستشارين أو قد يكون النموذج الآخر الشهير “صاحب المال” الذى يشترى لابنه هدية تخرجه من آخر “صاحب نفوذ” كما نعلم و”سكتم بكتم” و”كل عيش” حتى تستطيع أن ترتقى أيها المواطن بأبنائك سنتيمترا أو اثنين فوق خط الفقر ولا تتدخل فى شأن المخلوقات الخارقة فقد يصيبك أحدهم بشعاع ليزر يخرج من عينيه ليستقر فى قفاك بصفته مكان الاستقبال الوحيد لدينا الذى يراه جهاز إرسالهم.
ثم حدث ما حدث العام الماضى لنجد الحاجة ملحة للحنكة وإدارة الأزمات والمواهب الفذة، وجلس غالبيتنا فى غرفة المعيشة بالساعات أمام التلفاز يتابع فى شغف فى انتظار وزير خارق أو شرطى “من أبو ليزر” ولكن بدلا من ذلك وجدنا أقسام شرطة يقتحمها بلطجية ليخرجوا أقاربهم بسهولة إخراجك لملابسك من الدولاب وبنوك تسرق نهارا وسيارات مصرية مسروقة فى غزة وما إلى ذلك من الأخبار القديمة التى أصبحت جزءا من جدول حياتنا اليومى أن تبشرنا بها وسائل الإعلام، ورجال الأمن الخارقون يتعللون بالحجة الشهيرة التى مفادها بأنهم إذا استخدموا العنف وقتل نتيجة ذلك بلطجى فإنه سيعتبر شهيدا.
وأتساءل.. هل الشرطى الخارق مازال يعتقد حقا بعد كل ما حدث بأن الرأى العام على هذه الدرجة من الغباء وعدم الوعى بحيث لا يفرق بين مجرم وشهيد؟.. أم هل انعدم الحس الأمنى لديه بحيث يظل عاجزا أمام أى تعقيدات تخرج بالظروف الأمنية عن النطاق المعتاد الذى تعود فيه على استمتاعه بممارسة نفوذه كاملة بدون أن يتحرك من على كرسيه؟.. أم هل هم يعاقبوننا لأننا قمنا بالثورة؟.
أقول بأننا لم نراهم خارقين بقدر ما هم رأونا جرذانا فكانت المفاجأة عندما رأوا ما يقدر على فعله هؤلاء الجرذان إذا فاض بهم الكيل وكانت المفاجأة الأكبر، عندما انكشف عنهم غطاء الهيبة والسطوة لينكشف الضعف والتخبط الناشئ عن تعيينات فى السلطة التنفيذية لأجيال وأجيال بالرشاوى والوساطة.
إن حالة الفساد العامة طيلة ثلاثين عاما أصابت الجميع بالعدوى ولكنى أعلم من صميم قلبى أن هناك فى تلك الطبقة كفاءات أتمنى ألا يستسلموا لتلك العدوى وأن يفعلوا ما يمليه عليهم ضمائرهم فتلك فترة فى حياة الوطن سيتحدد فيها من هم حقا أصحاب النفوذ ولكن هذه المرة سيكونون من اختيار الشعب الذى لن يقدر سوى من يهب من على كرسيه يحمل السلاح ليحمى الأعراض والممتلكات.
لا تكرهوا الشعب لما فعل فقد أعطاكم نفوذا وسطوة سنينا طويلة فى حين عاش هو معذبا من أجل لقمة العيش وجل ما أراده فى المقابل هو احترام آدميته ولكنكم أنكرتم عليه حتى هذا الحق البسيط، ولا تلوح بمخاطر مهنتك لتنال التعاطف فهى الضريبة التى منحت فى مقابلها نفوذا غير عادية فإن أردت الاحتفاظ بنفوذك وأن تنال احترام الشارع مرة أخرى فاقبل بالمسئولية كجزء لا يتجزأ عن هذا النفوذ، انهض لحماية كل محتاج للأمن، اسهر وابذل قصارى جهدك ولا يغمضن لك جفن هانئ إلا وأضعف شخص فى دائرة قسمك يشعر بالأمان فى ماله وعرضه، فإن أبيت فلا تكرهنا لما نفعله أو نقوله.