فى ذكرى وفاة الشيخ الغزالى
فى 9 مارس 1996 م انتقل إلى رحمة الله تعالى إمام التسامح والفقه المبصر الشيخ محمد الغزالى تغمده الله سبحانه وتعالى بالرحمة والرضوان.
وبموته فقدت أمة الإسلام علما من أعلامها المبرزين وعالما من علمائها الناصحين، طالما أسدى لأمته النصح، ورفع اللواء خافقا ليهدى الحائر، ويرد الشارد، ويحمل المتنكب عن الصراط إلى سنة الإسلام الواضحة، ومحجته البينة .
كان شهابا راصدا ينطلق بشعاعات الوحى الأعلى فينير الدّرب، ويسطع فى الأُفق .
حباه الله بكل أسباب القوة والمنعة والمعرفة لينضح على طول الدهر على من حوله بكل ما من شأنه أن يمكن للمسلم الحق من مظاهر القوة والتّحضر والإبداع، ساعده على ذلك ملكة فقهية تنفُذ إلى العِلّة الباعثة، والحِكمة المستورة، وفقهه بالزمان، ومعرفته بالمقصد الشرعى الذى يشمله الحكم، وفهمه لما يحيط به من ظروف طارئة، وأحوال داعية، فصاغ ذلك كله فى فنون من القول فى خطبه وكتبه التى ما زالت تقرع آذاننا حتى يومنا هذا.
وقف كالطود الشامخ يُغالب الموج، ويصدُّ التيار الجارف من الإلحاد والعلمانية واللادينية، فدافع عن الإسلام فى وجه أحقاد الاستعمار وأطماعه، وفى وجه الزّحف الأحمر وإلحاده، وظلام الغرب وانحلاله، وأرسل صيحة التحذير من دعاة التنصير، والصهيونية العالمية، وعمل على تجفيف المستنقعات الآسنة التى يرِدُها كل ظامئ حرّان لكل تبعية مقيتة ووجود مُلفّق !
اتخذ القلم سلاحا يكتب و يُؤلف ويُحقق فريضة النصح، ويشرح الحقائق الإسلامية الضائعة، ويطالب المجتمع بالعودة إليها، ويُقرِّر فى جميع ما كتب وخطب، نظراته الثاقبة الجريئة، وهو صليب الرأى غير هيّابْ !. أعيى غيره أن يحمله على غير ما يريد، وقف فى وجه الاستبداد أيا كانت صوره وأشكاله ( دينية أو سياسية)، فتحمل ما جرّ ذلك عليه من عنتٍ وعداءْ.
الدين عنده هو الفطرة السليمة قبل أن تشوهها تقاليد سيئة، وأفكار سقيمة، رأى أن الجهل بالدنيا والعجز فى الحياة حجاب صفيق بيننا وبين النصر المبين! لأن “الصالحات المطلوبة تصنعها فأس الفلاح، وإبرة الخياط، وقلم الكاتب، ومشرط الطبيب وقارورة الصيدلى، ويصنعها الغواص فى بحره، والطيار فى جوه، والباحث فى معمله، والمحاسب فى دفتره .. يصنعها المسلم صاحب الرسالة وهو يباشر كل شىء ويجعل منها أداة لنصرة ربه، وإعلاء كلمته.”
سوف نذكرك يا شيخنا كلما صبونا إلى إمام فلم نجد الهداة، وهفت نفوسنا إلى العلا فلم نجد الأجنحة التى تحملنا اليوم للخروج من هوة العجز والرجعية.
وسف نذكرك أكثر فى أيامنا هذه، التى بدأ يظهر فيها بشائر صحوة الإسلام والتمكين لدينه، نذكرك لأننا أحوج ما نكون إلى فكر عميق للإسلام، وفهم راق لشريعته، بعيدا عن جهل الجاهلين وغلو المغالين، فهو يشيد بالعقل، وينوه بالفكر، ويبعث على النظر ويحمل على الجهال وفتية السوء كما وصفتهم يوما، إننا أحوج ما نكون إلى جيل يحيا باسم الإسلام ويدافع عن الناس بغض النظر عن معتقداتهم، ويرتقى بالخطاب الدينى إلى مستوى العصر الراهن.