عرابي «ابن الفلاحين» من نظارة الحربية إلى المنفى
التحق احمد عرابي بالجامع الأزهر عام 1265هجرية – نوفمبر 1849 م، وحفظ فيه القرآن الكريم وأجزاء من الفقه والتفسير وتوفي والده وكان عمره 8 سنوات وكان مصدر معيشة أسرته ريع 74 فداناً تركها والده، وكان أخيه الأكبر محمد هو من ينفق عليه.
التحاقه بالعسكرية
حين أمر الخديوي سعيد بإلحاق أبناء المشايخ والأعيان بالجيش استطاع أحمد عرابي الالتحاق بصفوف العسكرية، وبدأ كضابط صف بدرجة أمين بلوك ووصل إلى رتبة ملازم ثان بعد أربعة سنوات فقط في الخدمة.
وارتقى عرابي سلم الرتب العسكرية بسرعة حيث أصبح قائمقام في سن العشرين، وأصبح نقيبا في سن العشرين, وشارك في حروب الخديوي إسماعيل في الحبشة وترقي في الجيش إلي أن وصل إلي رتبة أميرالاي ما يعادل عقيد في عهد الخديوي سعيد باشا.
اختاره الضباط المصريين المتحدث الرسمي باسمهم، فكان أول زعيم مصري من أصل فلاح في العصر الحديث، وكان سعيد باشا يثق به إلى درجة أنه كان يشركه معه في ترتيب المناورات الحربية، وصلت درجة التقارب بينه وبين سعيد باشا أن أهداه كتاباً عن تاريخ نابليون بونابرت مكتوباً باللغة العربية.
بعد وفاة الخديوي سعيد و تولي خلفه إسماعيل تغيرت الأوضاع حيث عادت التفرقة بين المصريين والشراكسة في الجيش ووقعت بينه وبين أحد اللواءات الشراكسة يدعى اللواء خسرو باشا خصومة، وقدم بسببها للمحاكمة العسكرية و حكم عليه المجلس بالسجن واحد وعشرين يوماً، ولكنه استأنف الحكم أمام المجلس العسكري الأعلى والذي قضى بإلغاء الحكم الابتدائي.
وذهب وزير الحربية إلى الخديوي إسماعيل ليفصل “عرابي” وتم فصله فعلا وتركت هذه الحادثة في نفسه كراهية شديدة للضباط الشراكسة وسيطرتهم على الجيش وحاول رفع مظلمة للخديوي إسماعيل ولكن لم يتم النظر فيها.
وفى هذه الفترة التحق بوظيفة في دائرة الحلمية وخلال شغله هذه الوظيفة تزوج من “كريمة” مرضعة الأمير إلهامي باشا وهى أخت حرم الخديوي محمد توفيق في الرضاعة ولوساطة بعض المقربين من زوجته استصدار الخديوي إسماعيل أمرا بالعفو عنه وإعادته إلى الجيش برتبته العسكرية التي خرج عليها.. و حرم من مرتبته خلال مدة فصله فزادت كراهيته على أوضاع الجيش ونفوذ الضباط الشراكسة وتعنتهم مع الضباط المصريين.
وبعد ذلك عين مأموراً للحملة العسكرية المصرية في الحبشة، وهذه الحملة انتهت بهزيمة الجيش المصري وكان للهزيمة أثر كبير في نفسه مما رآه من استهتار للقيادة الشركسية.
القبض على عرابي
أصدر ناظر الحربية عثمان رفقي باشا عددا من القرارات التي اعتبرها الضباط المصريون تحيزا للشركس في الجيش على حساب المصريين، وهي ما أثارت غضب الضباط المصريين واتهموا الشراكسة بالعمل على استعادة دولة المماليك ثم اجتمع الضباط المصريون على تقديم مذكرة لرياض باشا رئيس النظار وقعها عرابي واثنان من زملائه اشتملت على: التظلم من انحياز عثمان رفقي للشراكسة، والمطالبة بتعديل قوانين الجيش للمساواة بين جميع الأجناس في الجيش، وتعيين ناظر للحربية من الوطنيين، والمطالبة بقيام مجلس نواب وطني كما وعد الخديوي إبان توليه، وزيادة عدد الجيش المصري إلى 18 ألفاً.
ولم يتقبل الخديوي توفيق هذه المطالب وقرر القبض على عرابي وزملائه ومحاكمتهم عسكرياَ حيث اعتبرهم من المتآمرين. وبالفعل استدعى عرابي و زملاؤه إلى ديوان الجهادية حيث تم اعتقالهم لبرهة قبل أن يقوم الضباط المصريون بتحريرهم بالقوة، ثم انضمت إليهم المزيد من وحدات الجيش المصري، واتصل عرابي بالقنصل الفرنسي لإعلامه بالأحداث و بقية القناصل الأجانب وطلب تدخلهم لإصلاح ذات البين.
خطبته الشهيرة
سلم أحمد عرابي الخديوي توفيق مطالب الشعب في ميدان عابدين، وقال الخديوي توفيق وقتها: “كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا”.
فرد عرابي عليه: “لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم”.
بعدها استجاب الخديوي لمطالبهم وعين محمود سامي باشا بعد تزكية عرابي له رغم كونه من الشراكسة وشرع محمود سامي في تعديل القوانين العسكرية وإصلاحها، ولكن سرعان ما عزله رئيس النظار و عين داود باشا يكن مكانه.
الأمر الذي رفضه الضباط وقدموا مذكرة ثانية في صباح يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881 يعلمون فيها الحكومة بقدوم كامل القوات المقيمة بالقاهرة إلى سراي عابدين في عصر نفس اليوم لعرض طلباتهم على الخديوي ثم خاطبوا القناصل الأجانب لتطمينهم على سلامة رعاياهم، وقد استجاب الخديوي لمطالبهم مرة ثانية فاسقط الوزارة و أنشأ مجلسا للنواب وزاد عديد الجيش.
الاحتلال الانجليزي
في صيف عام 1882 ظهر الأسطول البريطاني الفرنسي المشترك في مياه الإسكندرية وازدادت سخونة الأحداث، ووجدت إنجلترا وفرنسا في أحداث الإسكندرية فرصة سانحة للتدخل واتهمتا “عرابي” بالسبب في حدوث هذه الأحداث واعتبرتاه المسئول عن تحريض المصريين ضد الأجانب، وكانت ذريعة الإنجليز لغزو مصر الإرهاب.
قصف الإسكندرية
كانت الحكومة المصرية قد نصبت بعض المدافع على قلعة الإسكندرية فاعتبرت بريطانيا أن هذا عملا عدائيا ضدها. وفي 10 يوليو 1882م وجه قائد الأسطول البريطاني إنذارا للحكومة المصرية إما تسليم القلعة للأسطول البريطاني وإلا سوف تضرب الإسكندرية من البحر.
ومارس الخديوي توفيق لعبته المعتادة حين قابل “عرابى” وشجعه على مقاومة المعتدين بينما كان قد اتصل سرا بقائد الأسطول البريطاني ودعاه إلى الهجوم على عرابي. وقررت الحكومة البريطانية أن تكون المواجهة شاملة وأن تكون الحرب كاملة فجلبت المزيد من قواتها إلى الحرب، وتحرك 15000 جندي من مالطة وقبرص بالإضافة إلى 5000 من الهند باتجاه مصر مما رفع تعداد قوة الهجوم على مصر إلى 30000 جندي وضعت تحت قيادة السير جارنت ولسلي.
محاكمة عرابي
وواصلت القوات البريطانية تقدمها السريع إلى الزقازيق حيث أعادت تجمعها ظهر ذلك اليوم ثم انتقلت إلى القاهرة التي استسلمت حاميتها بالقلعة عصـر نفس اليوم، وكان ذلك بداية الاحتلال البريطاني لمصر الذي دام 74 عاماً.
واحتجز أحمد عرابي في ثكنات العباسية مع نائبه طلبة باشا حتى انعقدت محاكمته في 3 ديسمبر 1882 والتي قضت بإعدامه، وتم تخفيف الحكم بعد ذلك مباشرة (إلى النفي مدى الحياة إلى سيلان.
وانتقل السفير البريطاني لدى الباب العالي، لورد دوفرن، إلى القاهرة كأول مندوب سامي – حيث أشرف على محاكمة أحمد عرابي وعلى عدم إعدامه.
أما عمن ساندوا عرابي أو قاتلوا معه أو حرضوا الجماهير على القتال من العلماء والعمد والأعيان فقد كان الحكم أولا بقتل من أسموهم برؤوس الفتنة من هؤلاء وعزل الباقين ثم خفف لعزل الجميع فعزلوا من مناصبهم وجردوا من نياشينهم وأوسمتهم.
العودة إلى القاهرة
عاد احمد عرابي من المنفى عام 1903، وظل بها حتى توفي القاهرة في 21 سبتمبر 1911.